![نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة](http://www.mahroom.net/vb/images/smilies/happysaddam.gif)
![نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة](http://www.mahroom.net/vb/images/smilies/happysaddam.gif)
توقف عن السير، واحتل مقعداً يواجه الطريق. نظر للأعلى، يستقبل الرذاذ المتساقط من شلال ضوء القمر الفضي، الذي أخذ وبخجل، يتسرب بنعومة، بين أوراق الشجرة التي تمد أذرعها الخضراء من فوقه، كأنها تبحث عمن يشاركها نشوتها في رقصة، أو حتى عناق.
شمله السكون، وتوقف كل شيء فيه عن الحركة، عيناه تناعستا، وصدره أبطأ من عدوه المتواصل.
تذكر الأشجار التي تحيط ببيته، الأشجار التي تملأ بستان أبيه، كم عدد المرات التي كان يحوم فيها حول كل شجرة يتسلقها والده، فيلتقط ما قد يسقط سهواً من التفاح الأحمر الكبير، فمنذ أن عرف أباه، عرفه رجلا بذراع واحدة.
أضاء وجهه المرهق مع مرور سيارة عابرة، فتمثل أمامه مشهد، وقف أمام والدته يلتقط لها صورة، وهي تجدل شعر أخته الصغرى، ثم سطعت ومضات أخرى، صورة يقبل رأس أخته الكبرى العروس، ثانية يقف بجانب صهره الجديد، ثالثة يعانق جدته، ورابعة يمسح بها دموع الفرح المتساقطة من عيني أمه.
الدموع هي الدموع، ولكن الدموع التي كانت تبكيها أمه، وهي تغسل يديه من أثر الجروح والخدوش، التي تصيب كفيه من كثرة التعامل مع الأحجار، كانت دموع حزن وحسرة، وإن امتلأت فخراً.
تسللت الريح من خلفه بخفة، نفخت على شعره الأشقر الناعم، لترضي ولعها بحركته الانسيابية، لم يلتفت إلى مبادرتها، لكن الإحساس الذي غمرته به، كان نفس الإحساس الذي يعتريه، وهو مستلقٍِِ على ظهره، فوق أعلى ربوة تطل على قريته المتواضعة، وبجانبه صديقه الحميم ( عادل ). يتباريان في إطلاق الأسماء، على الغيوم التي تعوم فوق صفحة السماء، حسب الشكل الذي يعتقدان أن كل غيمة تمثله.
انحدرت بسكينة دمعة، ولم تتحرك يده، إلا بعد مرور دقيقة كاملة، لتمسح رطوبة الأثر من عينه إلى فكه، كأنه قد احتاج أن يفرغ شحنة معينة من ألم يحرق فؤاده، بسبب كثرة الصواعق التي ضربته، وهو يهيل التراب جاروفا تلو آخر، على كفن ( عادل ) الفتي.
أحس بالضيق من كثرة الذكريات البعيدة والمؤلمة، مضت سنين على تلك الأحداث، فقد تغير كثيراً عندما سافر ليتلقى علومه بالخارج، وترك خلفه كل شيء.
بدأ السير أسفل الطريق المنحدر، ربما اعتقد أنه إن ذهب للأسفل، فسترحل تلك الأفكار عنه، وتطفو متجهة للأعلى.
لاحظت عيناه لافتة ملهى ليلي، تضيء بلون مشع، الزقاق الذي تقع فيه، فشعر بالراحة، واتجه إليه مباشرة.
كان الملهى صاخبا، اختلط كل شيء فيه، الرجال مع النساء، إما كأزواج للرقص أو في أوضاع حميمة، وأنواع الخمر مع بعضها البعض، والموسيقى السريعة الغربية مع الشرقية.
اتجه إلى منتصف حلبة الرقص، ظهرت في وجهه امرأة شبه مخمورة، ابتسمت بخبث لرؤيته:
- شالوم أيها الوسيم ، هل تريد الرقص ؟
تجاهلها ببرود وأكمل طريقه، لحقت به، فهو وسيم، وجسده ضخم، أي نفس النوع الذي يعجبها من الرجال، كما أن تجاهله، لا يروق لها وهي من اعتادت توسل الرجال عند قدميها، هذا بالإضافة إلى أنها فرصة مثالية لتجرب طريقة جديدة في الإغراء.
توقف في منتصف حلبة الرقص، رائحة السجائر تزكم أنفه، أغلق عينيه، هجمت عليه أسئلة تحاول هز عقله المضطرب، أحس بيد تمسك ذراعه:
- ماذا بك يا عزيزي؟ هل تنتظر شخصاً ما؟ انظر أنت موجود وأنا موجودة، فلم الانتظار.
رأت فمه يتحرك ينطق بجملة، ولكن الموسيقى العالية منعتها من سماع شيء، فرأتها فرصة لا تعوض، تقدمت ليلتصق جسدها به.
يد أمه الحنون ...
دعاء جدته ...
بكاء أخواته ...
رائحة الأعشاب العطرة المرتوية من دموع أبيه ...
قربت أذنها من فمه، فتحولت ساقاها إلى كتل جليدية، عندما سمعت الجملة الثانية وهو يقولها بصرامة:
" وأن محمداً رسول الله
وحدث الانفجار.
تحياتي ...
انا الخجوووووووووله..
![نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة](http://www.mahroom.net/vb/images/smilies/p.gif)
p