شاب يبلغ من العمر احدى وعشرينَ عاماً ترى في وجهه الصلاح
محافظ على الصلاة ودائماً يتسابق على الصفوف الأولى في المرحلة
الجامعية وتحديداً المستوى الثالث...
درسَ في كليّة الشرعية , وهوَ أحد أقاربي قدّمتُ له دعوة للتسجيل
معنا فأُعجبَ بالمنتدى ووعدني أنه سوفَ ينضم يوم الخميس القادم
القريب...
اتّصلت الوالدة تبكي اليوم قُبيلَ صلاة العصر وقالت لي : قُمْ واذهب الى
المسجد للصلاة على فلان !!
قُلت ماذا ؟!!
انصدمتُ حقيقة وذُهلت , كانَ قبل أمس فقط يُحدّثني ويقول سوفَ
نذهب إلى مكّة فرمضان على الأبواب وكانَ يعشقُ مكّة كرّمها الله
كعشق الأم لولدها !!!
لا أُخفيكم توجّهتُ إلى المقبرة لتشييع جنازته واعتقدتُ أنّهُ سوفَ
يُدفن في مقبرة العود !!
فقالوا ماذا تقول : إنهُ سوفَ يُدفن في مقبرة المنصورية ؛ لأنَّ مقبرة
العود قد امتلئت على آخرها...
رأيتُ المقبرة وقرّبنا له اللّبِنْ , وبعد ذلك اهلنا على قبرهُ الماء ومعهُ
اختلطت الدموع ...
تذكّرتُ أبي الذي دفنتهُ بيدي ....
تذكّرتُ أبي حينما ماتَ قبل أنْ يبلغَ رمضانْ...
ياااااه لم يبقَ على رمضان سوى يوم واحد فقط وقد استعدَّ والدي
يرحمهُ الله لهذا الشهر ولكنه لمْ يبلغه !!!
تذكّرتُ حبيبي وأخي الذي مااااااااات....
تذكّرتُ جارنا وصديقي الذي مااااات من حادثِ سيارة...
ارتعشَتْ يداي وأنا أحمّل اللبِنْ..
هالني مارأيتْ !!
كيفَ أُقابلُ اللهَ وأنا غارقاً بالذّنوبْ....
كيفَ أواجهُ ربّي وقدْ أغلقتُ بوجهي الدروبْ..
كيفَ لو كُنتُ أنا مكانه ؟!!
بَكيتُ بمرارة..
بَكيتُ بحسرة...
بَكيتُ بألمْ...
إلى متى اشتكي قسوة القلوبْ ؟!!...
إلى متى أعشقُ الذّنوبْ ؟!!
رجعتُ للخلف تذكّرتُ الصحابة حينما كانوا يستعدون لشهرِ رمضانَ
قبلَ بلوغهِ بخمسة وستّة أشهر...
قالوا جميعاً :
اللهم بلّغنا شهر رمضان !!!
أيقنتُ حينها أنَّ الشهرَ لا يبلغهُ إلا منْ رحمهُ الله...
وحينما شيّعنا جنازتهُ اليوم , وعيناي قد اغرورقتْ بالدموعْ...
رفعتُ يداي مُناجياً رّبي ودعوتُ له , وقُلتُ في نفسي:
اللهم بلّغنا شهر رمضان..
(( كفانا بالموتِ واعظاً ))..
قالها أحدُ الصحابة , ولكنْ لا زالتْ تُطاردنا ذنوبنا..
ولا زِلنا نشتكي قسوة قلوبنا...
ولازالَ أصدقاء السوءِ يُطاردونني في كلِّ مكانٍ , كلّما هممتُ بالتّوبة !!
اللّهمَّ بلّغنا شهرُ رمضانْ..
يا رحمانُ يامنّانْ....
وهكذا انتهى الوداع....
فهل سيكونُ مع أحبتنا لقاءٌ واجتماعْ....
أم إنهُ الضياعْ....
تحياتي لكم.....
اخوكم
رشيد الفلته