وقفات مع الإمام الشاطبي ( وليّ الله )

بسم الله الرحمن الرحيم

أعلام القراء
الإمام أبو القاسم الشاطبي
شيخ القراء وأستاذ العلماء المقرئين
هذه وقفة مع أحد مشاهير الأعلام ، وكبار العلماء ونوابغ البشر وحامل لواء الإقراء
الإمام الولي ( ولي الله ) صاحب القدر الكبير والمكانة الرفيعة والمقام السامي بين القراء والعلماء الشيخ الضرير أبو القاسم الشاطبي الرعيني الأندلسي رحمه الله .

اسمه : القاسم بن فيرُّه بن خلف ، وكنيته أبو القاسم ، وأبو محمد ، ونسبته إلى شاطبة وهي إحدى مدن الأندلس ، تقع على بعد (56) كيلو متراً من بلنسية ، وكانت مشهورة في القرون الوسطى بمصانع الورق وينسب إليها كثير من العلماء الأعلام .
ولد أبو القاسم سنة 538هـ بشاطبة ويذكر المترجمون له أنه ولد أعمى . بدأ يطلب العلم على علماء بلده فقرأ القراءات وأتقنها على شيخه أبي عبد الله محمد بن أبي العاص النفري وكتب له شيخه في الإجازة ما نصه :
( إن صاحبنا أبا محمد قاسم بن فيرّه بن أبي القاسم حفظه الله تعالى وأكرمه ، قرأ عليّ القرآن كله تكراراً وترداداً بمذاهب القراء السبعة أئمة الاختيار والأمصار رحمهم الله تعالى برواياتهم المشهورة بطرقهم المعروفة التي نظمها كتاب التيسير والاقتصاد للحافظ أبي عمرو الداني وغيرهما ثم ذكر القراء السبعة وأسانيده إليهم ثم قال : وقد أجزت له - وفقني الله وإياه – جميع ما قرأه عليّ من هذه القراءات والروايات والطرق
وأبحت له بأن يقرأ بذلك كله ، ويقرئ حسب ما قرأه عليّ وأخذته عليه ، فليروه وليروه من أحب ، ولا ينفذه إلى غيره )
ثم ارتحل الشاطبي لطلب العلم فقرأ القراءات ببلنسية وعرض كتاب ( التيسير ) حفظاً عن ظهر قلب على شيخه أبي الحسن بن هذيل البلنسي المتوفى سنة 564هـ وسمع منه الحديث كما قرأ وسمع من عدد من علماء بلنسية وقرأ عدداً كبيراً من الكتب على العلماء ، فمن ذلك أنه قرأ كتاب سيبويه والكامل للمبرد وأدب الكاتب لابن قتيبة على شيخه محمد بن حميد المتوفى سنة 576هـ كما أخذ الشاطبي صحيح مسلم عن ابن هذيل وعباس بن محمد بن عباس المتوفى سنة 567هـ ومحمد بن يوسف بن سعادة بأسانيدهم إلى الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله .
وفي سنة 572هـ ارتحل الشاطبي إلى الشرق قاصداً الحج ، فأقام بالإسكندرية وسمع بها من الحافظ أبي طاهر السلفي المتوفى سنة 576هـ وغيره .
ولما وصل القاهرة تلقاه القاضي الفاضل وزير صلاح الدين الأيوبي بالإكرام والتبجيل وولاه مشيخة الإقراء بالمدرسة الفاضلية فأقرأ فيها ودرس النحو واللغة وكثيراً من العلوم حتى اشتهر اسمه وعظم شأنه وقصده الناس من البلاد .
وفي تلك الآونة كان تحرير القدس الشريف على يد القائد العظيم صلاح الدين الأيوبي رحمه الله فتوجه الشاطبي سنة 589هـ لزيارة القدس والمسجد الأقصى وأقام بها مدة ( شهر رمضان ) ثم عاد إلى مصر فأمضى بها بقية حياته يقرئ ويعلم وينشر العلم بين الناس .
ثناء العلماء عليه :
عرف العلماء فضل الإمام الشاطبي وغزارة علمه وسعة اطلاعه وكثرة حفظه ورياسته في مختلف العلوم فتحدثوا عنه مخبرين بما عنده ومعترفين له بالتقدم والرياسة ومن أبرز عباراتهم في ذلك : " هو الشيخ الإمام شرف الحفاظ والقراء ، علم الزهاد والكبراء كان إماماً علامة نبيلاً محققاً ذكياً حافظاً للحديث كثير العناية به عالماً بالقرآن قراءة وتفسيراً وبالحديث مبرزاً فيه ، حسن المقاصد مخلصاً فيما يقول ويفعل ) ( لم يكن بمصر في زمانه نظيره في تعدد فنونه وكثرة محفوظه ) . كما قال الإمام النووي وقال ابن خلكان : كان عالماً بكتاب الله عز وجل قراءة وتفسيراً وبحديث رسول الله مبرزاً فيه وكان إذا قرئ عليه صحيح البخاري ومسلم والموطأ تصحح النسخ من حفظه ويملي النكت على المواضع المحتاج إليها من لفظه وكان أوحد الناس في علم العربية واللغة عارفاً بعلم الرؤيا ) .
ووصفه إمامنا ابن الجزري بقوله : كان إماماً كبيراً أعجوبة في الذكاء ،كثير الفنون آية من آيات الله غاية في القراءات حافظاً للحديث بصيراً بالعربية ، إماماً في اللغة رأساً في الأدب مع الزهد والولاية والعبادة والانقطاع والكشف ، شافعي المذهب محافظاً على السنة .
ـ أما عن زهده وورعه وعبادته فحدث ولا حرج حيث كان الشاطبي في غاية من الزهد والورع والتقوى والتدين والاستقامة .
قال التاج السبكي : " كان الشاطبي من الصلحاء المتورعين وعباد الله المخلصين وأولياء الله الفائزين ، زاهداً عابداً ناسكاً " . وقال ابن كثير كان ديناً خاشعاً ناسكاً كثير الوقار لا يتكلم فيما لا يعنيه ) . وقال أبو بكر بن الجندي : ( كان ذا أدب ووقار وصلاح تظهر منه علامة الصالحين وتلوح منه كرامات الأولياء المبصرين يلوم أصحابه على أشياء ما اطلعوه عليها ، ضابطاً لسانه عن فضول الكلام لا ينطق في سائر أوقاته إلا بما إليه ضرورته ويمنع جلساءه من فضول الكلام ويمنحهم وده ، ويدرّ عليهم رفده ) .
وبالجملة كان الإمام الشاطبي رحمه الله من كبار العلماء العاملين والقراء الحافظين والزهاد الورعين جمع بين العلم والعمل والصلاح والتقوى فاستحق التقديم والتفوق على سائر علماء عصره وكان بحق وحيد زمانه وفريد أوانه .
ومما يروى من كراماته أنه كان يصلي الصبح بالمدرسة الفاضلية ثم يجلس للإقراء فيتوافد الطلبة ليقرأوا عليه ، فيقول من جاء أولاً فليقرأ ثم يأخذ عليهم و يسمع من الأسبق فالأسبق وفي أحد الأيام سبق أحد التلاميذ وقعد بقرب الشيخ ليقرأ أولاً لكن الشيخ الشاطبي قال من جاء ثانياً فليقرأ فشرع الثاني في القراءة وبقي الأول لا يدري ما حاله فأخذ يتفكر ، فتذكر أنه أجنب تلك الليلة وأنه من شدة حرصه على القراءة نسي أن يغتسل وبادر إلى الصلاة والقراءة ، ثم إن هذا الرجل بادر إلى الحمام فاغتسل ورجع قبل أن يفرغ الأول من قراءته فلما فرغ قال الشيخ من جاء أولاً فليقرأ ، فقرأ .
قال ابن الجزري رحمه الله : وهذا من أحسن ما وقع لشيوخ هذه الطائفة ، بل لا نعلم أنه وقع مثله في الدنيا )
* مؤلفاته :-
أعظم مؤلفاته قيمة وأكثرها شهرة وأوسعها انتشاراً قصيدته الشاطبية المسماة :
" حرز الأماني ووجه التهاني في القراءات السبع ، اختصر فيها كتاب التيسير للداني وزاد فيها عليه زيادات كثيرة فاجتمعت فيها مذاهب القراء السبعة ورواته أصولاً وفرشاً ، بحيث صار من يحفظها ويعرف شرحها قادراً على حفظ مذاهب القراء السبعة والقراءة بقراءاتهم وروايات رواتهم وهي قصيدة لامية في 1173 بيتاً استخدم فيها الرموز ليشير إلى القراء والرواة ووضع فيها مصطلحاً يستطيع من فهمه وضبطه أن يعرف كيف يتعامل مع القصيدة ويفهم المراد من أبياتها . وقد تداول العلماء وطلبة العلم هذه القصيدة وتسابقوا إلى حفظها وفهمها وشرح أبياتها فألفوا في شرحها
عشرات الكتب من أبرزها ( فتح الوصيد في شرح القصيد ) لعلم الدين السخاوي تلميذ الإمام الشاطبي
و( إبراز المعاني في شرح حرز الأماني ) للجعبري. وغير ذلك ، ومن مؤلفات الشاطبي أيضاً قصيدته الرائية المسماة ( عقيلة أتراب القصائد في أسنى المقاصد ) وقد ضمنها كتاب ( المقنع في رسم المصاحف ) لأبي عمرو الداني وهي أيضاً قصيدة عظيمة نالت شهرة واسعة واهتم بها العلماء حفظاً وشرحاً ودراسة


* تلاميذه :
كان للشاطبي عدد كبير من التلاميذ نقلوا عنه علمه ونشروه في البلاد ونفعوا به العباد فمن هؤلاء : الإمام علم الدين علي بن عبد الصمد السخاوي ، والزين محمد بن عمر بن يوسف القرطبي الفقيه المالكي الزاهد ، ومحمد بن محمد بن وضاح اللخمي الأندلسي وغيرهم الكثير.


* وفاته رحمه الله :
توفي الشاطبي رحمه الله بعد صلاة العصر يوم الأحد ثامن وعشرين من جمادى الآخرة سنة
تسعين وخمسمائة وله اثنتان وخمسون سنة ، ودفن يوم الاثنين بتربة القاضي الفاضل

وكانت جنازته مهيبة مشهودة ورثاه عدد كبير من العلماء والشعراء .
رحم الله الإمام الشاطبي ونفعنا بعلمه وبركته ، ونسأله أن يرزق أمة الإسلام رجالاً يكونون في مثل علمه وورعه وزهده وتقواه وولايته لله .

والحمد لله رب العالمين


أعدها : خادم العلم الشريف والقرآن العظيم .
أبو البراء.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جميل جداً يا أبالبراء .

استمر وأتحفنا بجعل الله كل ما تقدمه نورا بين يديك يوم تلقاه

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جميل جداً يا أبالبراء .

استمر وأتحفنا بالمزيد

جعل الله كل ما تقدمه نورا بين يديك يوم تلقاه