الحريّة والعبودية

كثيراً ما نسمع لفظا "الحريّة" و "العبودية" عندما نتحدث عن بعض سلوكيات الأفراد والمجتمعات، بل أنه من النادر أن يُذكر أحد هذين اللفظين دون أن يُذكر الآخر.
ومن تعريفات الحريّة أنها حالة التحرر من القيود التي تكبّل أقوال وأفعال الإنسان وإنتاجه تجاه شخص أو جماعة سواء كانت تلك القيود قيوداً مادية أو اجتماعية أو معنوية.
بينما تعتبر العبودية لغير الخالق سبحانه وتعالى أسوأ صفة قد يتصف بها إنسان، إذ إنها تُجسّد تحوّل الإنسان الذي خلقه الله حراً إلى تابع لغيره من البشر، أو أنه عبداً لشهواته وغرائزه.

وللحرية في حياتنا دوائر كثيرة نحرص على أن نعيش بداخلها، وأن لا نتجاوزها حتى لا نكون عرضة للعقاب أياً كان مصدره، وقبل ذلك عرضة لعتابنا ولومنا لأنفسنا.
ولو أردنا أن نتحدث عن الحرية والعبودية في حياة الناس من حيث تعاملهم مع بعضهم البعض، فإننا سنجد بأن في الناس أحراراً لا تستعبدهم رغبة ولا رهبة،
ولا يُسيّرهم حرمان أو طمع،
ولا يذلهم حب الغنى ولا الخوف من الفقر،
هؤلاء هم أصحاب المبادئ السليمة الذين لا يحيدون عنها مهما حدث لهم، المؤمنون بالله إيماناً كاملاً، والحريصون على أن يتبّعوا في حياتهم السيرة القويمة والطريقة المستقيمة العادلة التي لا يميلون عنها مهما كانت الفتن والمغريات.
وهؤلاء يمكن أن نقول عنهم أنهم أحرار بعلاقتهم بغيرهم لأنهم يقولون ويفعلون ما يرونه صائباً فقط، وفي نفس الوقت فهم مقيدون بتصرفاتهم مع أنفسهم تبعاً للمبادئ الصحيحة.

وفي المقابل، نجد بأن من الناس من تستعبدهم رغباتهم وشهواتهم، ولذا نجدهم دائماً كالإمعات لكل من يستطيع أن يحقق لهم تلك الرغبات والشهوات، فيصبحون كالعبيد لذلك الغير ما دام قادراً على أن يؤمن لهم الفائدة أو الشهوة المبتغاة.
وهؤلاء يمكن أن نقول عنهم أنهم أحرار مع أنفسهم، حيث نجد بأنه لا قيود عليهم تجاه نفوسهم وضمائرهم، ولذا نراهم يرمون بالمبادئ والقيم السليمة جانباً، وهم في نفس الوقت عبيد لأهوائهم وبالتالي لبعض الناس الذين يحققون لهم الفائدة، وتلك هي أدني درجات العبودية، وينطبق ذلك بوضوح على مدمني المخدرات وغيرهم الذين لا قيود لديهم تجاه أنفسهم ومجتمعهم، بينما هم عبيد للمخدرات ومن يقوم بتأمينها لهم.

ولعل من أسباب اعتلال بعض المجتمعات وابتعادها عن الطريق القويم هو طغيان عبودية المصالح والشهوات على غيرها، فتكون النتيجة هي انحراف تلك المجتمعات عن الطريق القويم.
ولن تعود المجتمعات إلى الجادة السليمة إلا إذا حرصنا وعملنا على أن تكون مبادئنا وأعمالنا متطابقة مع ما شرعه الله لنا ومع ما فيه صلاح الأمة والفرد، وأن لا نحيد عنها مهما حدث.

حفظ الله الجميع بحفظه.

موضوع راقي من فكر راااقي
الحرية كلمة يختلف معناها عند كل شخص منهم من يراها تحرر بدون قيود ومنهم من يراها بالتعدي على الغير
ومنهم من يراها بتخطي القيم وجلب كل مستغرب ومنهم من يراها (ان اكون مسؤلا عن تصرفاتي التي تصدر بضوابط ديني وقيمي )
فهي تختلف باختلاف عقولنا وافكارنا ...
::
بالنسبة للاستعباد ليس فقط مدمني المخدرات هم من استعبدتهم رغبتهم فالكثير في واقعنا اصبحوا عبيدأ لرغباتهم
منهم من استعبد الخدم والعمال ،والبعض من المرضى استعبد المرأة
وبعض المديري استعبد موظفيه.....
((وأشعر ان بعض وزرائنا الا من رحم الله استعبدهم المال،فأصبح همه (كم) ولم يكن همه ماذا انجزت))
للعبودية مظاهر نراها لدى البعض لكنهم يرونها حرية في التصرف من باب التمللك .....
وللفظ العبودية معنى جميل في هذا لبيت المشهور
احسن الى الناس تستعبد قلوبهم *****فطالما استعبد الانسان حسانا
مشكور اخي عبدالله على هذا الطرح المفيد
سلمت وسلم فكرك سلمت اناملك
دمت بل خير وسعادة

طرح راائع ومتميز دائما بقلمك عبدالله

المشكله هي نظرتنا لمعنى الحريه فكل شخص تختلف نظرته للحريه والحريه هي ان يكون الشخص مسؤولا عن كل عمل وتصرف يقوم به من تعبير عن رائي او اتخاذ قرار ويكون حر في طريقة حياته

لكن بشرط ان لايتجاوز حدودالحريه وتكون حريته محدده بضوابط الدين والاخلاق ولا يخرج عنها

وكما للحريه مظاهر هناك للعبودية ايضا اختلاف ومظاهر واسمى العبوديه هي عبودية الله تعالى وهي عبوديه لايمكن للشخص الانفصال عنها

قال تعالى (ولله يسجد من في السموات والارض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال )

وهناك مظاهر سلبيه للعبوديه كما ذكرت انت اخي عبدالله من حب الشهوات والمصالح وغيرها وعبودية البشر

والحريه هي أن تحرر نفسك من عبودية العباد و تعبد رب العباد

عبدالله لك مني كل الشكر والتقدير لطرحك الراقي

وماعدمناك يارب

مديرتنا الكريمة شموع الغربية

آمل قبول شكري وتقديري لمداخلتك القيّمة وإضافتك المهمة حول الاختلاف بين الناس حول مفهوم الحرية، وكيف أنها تعنى لدى بعضنا بأنها التحرر من كل القيود وفعل ما نريد دونما أي اعتبار للغير مهما كانوا وبدون اعتبار لحدود ومشاعر الآخرين، والبعض يطبق مبدأ نفسي أولاً ثم الآخرين، والأقلية هم من يعيشون حياتهم ضمن نطاق الدوائر التي حددها الشرع، القوانين والأعراف ومنها احترام الغير ومساعدتهم.

وكما أن هناك عبودية من أشخاص للمال والشهوات والمناصب وغيرها، فهناك استعباد من بشر لبشر على مستوى الأفراد يتمثل في بعض الكفلاء لمكفوليهم من خلال زيادة حجم العمل عليهم وعدم إعطائهم حقوقهم، بل يصل الأمر إلى فرض الكفلاء مبالغ على مكفوليهم عند تجديد رخص إقامتهم في المملكة،

كما يكون الاستعباد على مستوى الدول من خلال استغلال الدول الكبيرة لثروات دول أخرى.

أختي الكريمة:

كم هو رائع ذلك البيت من الشعر الذي تفضلتِ بطرحه من خلال مداخلتك والذي يبين أثر الإحسان على البعض ممن يقدرون ذلك الإحسان الذي يجعلهم مدينين إلى أعناقهم لمن أحسن إليهم، فنعم الفعل ونعم رد الفعل.

مرة أخرى، تقبلي شكري وامتناني،

دمتِ بخير وعافية.

أختي المتميزة غلا

أسعدتني مداخلتك الرائعة حول حدود الحرية والعبودية المستحبة،
وكيف أن تعدى الحدود الشرعية والقوانين يعتبر انفلاتاً، كما أن عبودية غير الله تعتبر خضوعاً لغير الخالق وشركاً به سبحانه وتعالى.

ولعل أحد أمثلة الحرية الممجوجة هو ما نشاهده أحياناً في الأماكن العامة من تصرفات بعض الشباب من انفلات بالقول والفعل دون مراعاة للقيم وللغير،
وقد يكون من أحدث أمثلة العبودية هو ما أصبحنا نشاهده من الولع الشديد من بعض الشباب والشابات بالمحادثات "الشات" باستخدام أجهزة البلاك بيري وغيرها بحيث أصبحنا نشاهد بعضهم يكاد يصدم غيره أثناء المشي بسبب انشغاله بكتابة الردود، بينما نجدهم قد اعتزلوا أهلهم لانشغالهم بتلك المحادثات التي لا فائدة من ورائها.

أختي غلا
تقبلي تقديري واحترامي،
ودمتِ بصحة وهناء.

الاخ الكريم والكاتب المتميز في كل مقالاته وكتاباته عبدالله 12 دائماً مواضيعك متميزة وافكارك راقية جداً واشكرك على ذلك
وموضوع الحريه والعبوديه فعلمها واسع جدا ولها اكثر من تعريف وكثير من الناس من ينشد الحريه ويبحث عنها ولكن الخوف من الافراط بالحريات فتصبح الحريه مصدر هدم وتخريب وانحلال للأخلاق والقيم والتطاول على العقيده والحريه المطلوبه والمعتدله هي حريتنا في ظل تقاليدنا وتعاليم ديننا الحنيف وثقافتنا ومبادئنا الاسلاميه واذا اساءنا فهمها كمن اعطى سيارة فائقة السرعة الى شاب لم يرى سيارة من قبل ولايعرف فن القيادة ولا يعرف كيف يتحكم فيها
اما العبوديه فمفهومها الصحيح هي لله وحده قال الله تعالى{إياك نعبدُ وإياكَ نستعين} وقال تعالى{(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ والإنس إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)و ان عبادة الله تخرج العباد من عبادة العباد الى عبادة رب العباد
والعمل بما امر الله به واجتناب مانهى عنه وماخالف ذلك انما هو تسليم لسلطة النفس والهوى والشيطان نعوذ بالله من ذلك
وقد ارشدنا ودلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف
{عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: « تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض }
أخرجه البخاري.
نعم، وهذا فيه التحذير من الانغماس في الدنيا والاغترار بها والانسياق وراء ملذاتها، ولذا قال: « تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد القطيفة تعس عبد الخميلة تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش}يدعو النبي -عليه الصلاة والسلام- على من كان هذا وصفه، وهو الذي يتبع الدنيا ولا يبالي كما في الحديث: أمن حلال أم من حرام، وفي حديث خولة: « إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة، لا يبالي أخذ من حلال أو من حرام }
وفي قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في استعباد الناس بعضهم لبعض او من يظلم غيره
كما ورد في كتاب "الولاية على البلدان"، ومفادها: أن عمرو بن العاص رضي الله عنه، عندما كان واليًّا على مصر في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، اشترك ابنٌ لعمرو بن العاص مع غلام من الأقباط في سباق للخيول فسبق القبطي ابن عمرو، فضرب ابن عمرو الغلام القبطي اعتمادًا على سلطان أبيه، وحيث ان القبطي لا يمكنه الانتقام منه؛ فقام والد الغلام القبطي المضروب بالسفر بصحبة ابنه إلى المدينة المنورة، فلما أتى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بَيَّن له ما وقع من امير مصر على ابنه، فكتب أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص أن يحضر إلى المدينة المنورة بصحبة ابنه، فلما حضر الجميع عند أمير المؤمنين عمر، ناول عمر الغلام القبطي سوطًا وأمره أن يقتص لنفسه من ابن عمرو بن العاص، فضربه حتى رأى أنه قد استوفى حقه وشفا ما في نفسه. ثم قال له أمير المؤمنين: لو ضربت عمرو بن العاص ما منعتك؛ لأن الغلام إنما ضربك لسلطان أبيه، ثم التفت إلى عمرو بن العاص قائلاً: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً
اخي الكريم عبدالله ارجو ان تقبل شكري وتقديري وجزاك الله خيراً

وجزاك بمثله أخي العزيز فتى الجميزة

حقيقة، مداخلة ضافية تضمنت الكثير من الأدلة والتوضيحات التي كان يحتاجها الموضوع الأصلي.

أخي العزيز:

لن أتي بجديد عندما أقول بأنني استفدت كثيراً من مداخلتك الرائعة،

ولكني أود بأن أذكّر بدور الوالدين الرئيسي في تعليم أبنائهما معنى الحرية وحدودها حتى لا نرى المشاهد المزعجة من تعدي للحريات في الأماكن العامة،

كما يكون دورهما الغرس في أذهان الابناء وأن العبودية لا تكون إلا لله وحده مهما كانت الظروف والأحوال.

مرة أخرى تقبل الشكر والتقدير لكرمك.

دمت بحفظ الله.