مؤسف للغايه ان تجد كثيرا من الناس لاهم لهم سوى تمحيص اعمال الاخرين _ قولا و فعلا _ و تتبع
كل نابيه و التشكيك في كل بادره و الاشتغال في مقارنة اقوال الامس بأقوال اليوم .....
تنهدت بعمق و اطرقت اطراقه حزينه وقالت بأسى معلقه على سلوك احداهن : ( ايمانها ناقص )
قلت : سبحان الله ! منذ متى صرن ( ترمومترا ) يقيس ايمان الاخرين ، من نصبك لهذه المهمه ؟!
قال تعالى : (
يا ايها الذين امنوا عليكم انفسكم لايضركم من ضل اذا اهتديتم الى الله مرجعكم جميعا
فينبئكم بما كنتم تعملون ) [ المائده :105]
اراد الله جل و علا بهذه الايه الكريمه من كل مؤمن الا يذهب بعيدا في ارادته تقويم اعوجاج الاخرين وقد
قال سبحانه و تعالى لنبيه الذي هو صاحب الرساله و المكلف بالهدايه (
لعلك باخع نفسك الا يكونوا مؤمنين)
[ الشعراء : 3]
وجاء في الاثر : الكيس من دان نفسه وليس من دان غيره لان اعمالنا هي التي ستوضع في موازيننا يوم
القيامه لا اعمال الاخرين
ان كنا قد انتهينا الى ان الامر بالمعروف و النهي عن المنكر من اوكد مقتضيات الهدايه فلا ينبغي ان ننسى
ان الانكباب على النفس لاصلاح عيوبها و دوام مراقبتها و عدم الغفله عنها من اول هذه المقتضيات
مؤسف للغايه ان تجد كثيرا من الناس لاهم لهم سوى تمحيص اعمال الاخرين _ قولا و فعلا _ وتتبع كل
نابيه و التشكيك في كل بادره و الاشتغال في مقارنة اقوال الامس بأقوال اليوم وصرف المعاني الى المكاني
ولو استطاعوا ان يحصوا على الناس انفسهم و يعدوا حركات عيونهم لفعلوا
تراهم يندسّون في المجالس و ينتشرون في المنتديات ، يملأون الزوايا و يزحمون الاطراف يرشقون الجالسين
بالملاحظات البارده و يحرجونهم بالتعليقات اللاذعه ، هذا النوع من المنظرين السوداويي التفكير القاصري
الفهم الذاهلين عن عيوبهم موجودون في كل المجتمعات ومنتشرين على المستوى العام و الخاص . فهم سقم
العيش و وباء الكدر و المسبار الذبابي الذي يكبر كل صغير خبيث ويصغر كل كبير طيب ، والعجيب في
الامر تلبسهم رداء المصلحين و ادعاؤهم مذهب المرشدين و لو صحت دعواهم لكان لانفسهم منها حفظ ولكان
لهم منها شغل
اذا وقع في هذا سفلة الناس و جهالهم فاننا نربأ بالفضلاء و العقلاء عن الوقوع فيه ، فالفهم كل الفهم ادراك
مراد الله بنور الله و السعي لارتقاء مقام الدعوه و الاصلاح بتتبع المنبع الذي ربّى به الله صاحب هذا المقام
حين قال له : (
ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين ) [ الانعام : 35]
فمن الجهاله الانصراف عن تدبر سنة الاختلاف و التفاوت في التزام عزائم الامور و القدره على فهم دقائق الحق
و العمل به بين الناس الى تقسيمهم و تصنيفهم بمقاييس اجتهاديه قابله للخطأ و الصواب ، و الجهاله الاعظم منها
اشتغالنا بقياس ايمان غيرنا عن مراقبة ايماننا و العمل للرقي بأنفسنا لبلوغ اعلى درجات الايمان والوصول الى
مقام الاحسان و الثبات فيه . فأما الاولى فيحل بسببها الشقاق وينبت في جوانبها النفاق وينقطع من اثرها ماء
الوفاق ، و اما الثانيه فنتيجتها الحتميه تفرّق القلب وتسلط العُجب عند الغرق في النظر الى نقائض الغير و هنا
تزّل قدم بعد ثبوتها و نذوق السوء الذي نتجرّع مرارته و نراه جليا في التمزق الفكري بين ابناء العقيده بعد ان
استحال الاختلاف خلافا وكذا في التشرذم الاجتماعي المستـشري في كلا الصعيدين العام و الخاص ، حتى بين
افراد الاسره الواحده ، و نلمسه عن قرب في الآلام النفسيه الواضحه آثارها في عوارض كالقلق و الكآبه وهما
الهم و الحزن اللذان علمنا النبي صلى الله عليه وسلم ان نستعيذ منهما صباحا ومساء وذلك لأثرهما القاتل لكل
معاني الحياة الكامله ، فهل من وقفه نراجع فيها رسالتنا في الحياه ؟
ولنضع جانبا سيف الجلاد و لنخلع رداء القاضي ونكف عن غرز مخالبنا في نقاط ضعف الاخرين و نحاول ان نتعلم
كيف نحبهم و كيف نحب لهم الخير كما نحبه لانفسنا
المصدر .. مجلة الأسره
.
.
.