السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نفتح معك أخي القارئ في هذا الحديث صفحة المستقبل.ونطل إلى عالمه من نافذة الإمكان على راحلة الأسباب المشروعة ,ونبحث في الممكن منه ,وما ينبغي للمسلم أن يتطلع إلى تحقيقه في عالمه ,وليس هذا بدعا من الأمر,ولا متعارضا مع الدين ,بل هو روح الدين ,بل هو الدين ذاته.
إن الإسلام بعباداته وأخلاقه ,وشرائعه وآدابه ,وأوامره ونواهيه ,ليس نكوصا إلى الوراء ,أو تراجعا عن التقدم ,بل هو بناء وعمل للمستقبل ,وتطلع للآتي ,وهو في الوقت ذاته دعوة لتبيان الماضي بكل رواسبه السلبية والسيئة { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد } كما انه ارتباط بالمستقبل والعمل من أجله { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد} الحشر:18
إن في ذلك دعوة صريحة لسد باب الوقوف عند جراحات الماضي ,أو التعلق به من أجل القعود عن العمل للمستقبل ,والرسول صلى الله عليه وسلم يؤكد على هذا المعنى في قوله ( احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز ) ثم يدعو لسد باب الوقوف عند الماضي والتباكي عليه فيقول ( وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا ) لأن في ذلك نوعا من العجز والاشتغال به عن العمل والإنتاج ,بل ربما شكل ذلك عائقا عن التقدم وإعادة المحاولة ,ثم يوجه صلى الله عليه وسلم إلى قطع الطريق على سيل الهموم والأحزان بقوله ( ولكن قل قدر الله وما شاء فعل) والأدلة من الكتاب والسنة في هذا الباب أوسع من أن يحصرها هذا المقام .
إن التفكير في أمر المستقبل والتخطيط له من أهم خصائص الإنسان العاقل بما منحه الله من عقل وتمييز ,وفترة الشباب التي يمر بها الإنسان من أثمن الفترات ,فهي فترة البناء والتأسيس ,وهي فترة العمل التي إذا ضاعت على الفرد أصبح بعد ذلك عاجزا عن التعويض والتدارك .كم من الشباب الذين استهوتهم اللذة العاجلة ,والمكسب الرخيص ,فشغلهم ذلك عن النظر لما أمامهم من مسؤوليات ومتطلبات الحياة ,وكم من الشباب ضيع من أجل تحقيق رغبة سريعة سعادة العمر وهناءة الحياة ,وحينما تلقى بنظرة إلى التفاوت بين أو ضاع من تجاوزوا سن الشباب ,فتجد منهم العالم الكبير بجانبه من لا يعرف القراءة والكتابة ,وتجد الغني بجانبه الفقير المعدم ,وتجد صاحب المركز الرفيع بجانبه العاطل الذي يتكفف الناس ,وحينما تنظر تدرك أن وراء كل ذلك عملا وإهمالا ,تخطيطا وفوضى ,جدا وكسلا ,وكلا أصاب نصيبه مما زرعه وقت شبابه ,و لا حجة هنا لمن يتعلل بالقضاء والقدر ,فالعمل والتخطيط والجد كلها قضاء وقدر. وأعظم من ذلك حينما يجتمع الناس بين يدي الله عز وجل ,فيظهر التفاوت والتباين في يوم التغابن ( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا) هناك يتبين الفرق بين من أخذ حسابه لمستقبله في ذلك اليوم فعمل واجتهد ,وبين من أهمل وضيع فضاهت حياته هدرا وخسر آخرته ,انتهت الملذات ,وبقيت الحسرات ,فات وقت العمل وحان وقت الحصاد , و لا يظلم ربك أحدا
المصدر:مجلة شقائق