السهل والصعب

قال التلميذ لأستاذه: اسمع وأشاهد كل إنسان تقريباً ينصح ويوجه وينتقد وكأنما هو وحده العالم الصالح، المُبرأ من العيب والنقص، اسمعهم وأقرأ لهم وهم يشكون الفساد ويثورون عليه، فينتابني تساؤل كبير إذا كان كل الناس ينصحون فأين هم المفسدون الذين ينخرون بقوة في مجتمعنا؟

سكت الأستاذ قليلاً، وبدأ وكأنه يسترجع بعضاً من ذكرياته ثم قال لتلميذه: أنا منهم يا بني، أقع في الغلطة التي يقعون بها . . . أعرف بأن عقلك الباطن يختزن الكثير مما كنت أقوله لك ولزملائك طوال العام عن واجباتكم وحقوقكم، حول ما يجب أن تفعلوه وما يجب أن تكفوا أنفسكم عنه، ولهذا فقد جمعتني مع غيري الذين لا عمل لهم إلا الانتقاد دون التطبيق.

شعر التلميذ بالحرج والأسف مما قاله لمدرسه، ثم قال: عفوك يا أستاذ إنما قصدت الجهال الذين يتعالمون، والفاسدين الذين يلبسون مسوح الأطهار، وأنت لست من هؤلاء، فأنت لك من الخلق الكريم والعلم الزاخر الذي يعطيك الحق بأن تنصح وتعظ.
قال الأستاذ: حتى ولو كان ما قلته عنّي صحيحاً، فليس من حقي أن أقوم بالنصح والإرشاد دائماً، فإنما يفعل ذلك المراؤون المنافقون، فالعالِم حقاً هو الذي لا يُشعر غيره إنه عالم، والفاضل حقاً هو الذي لا يُشعر الآخرين بأنهم مجردون من الفضل، فالله لا يحب كل مختال فخور.
استفسر التلميذ قائلاً: كيف يصلح حال الناس إذا لم يكن هناك الناصحون الموجهون الذين يكشفون العيوب؟
همس الأستاذ لتلميذه قائلاً: يكون ذلك بالقدوة الحسنة، فهي أكثر تأثيراً من النصيحة والتوجيه واللوم والعتاب، فلو كف الناصحون والناقدون عن الكلام وأخذوا أنفسهم بالعمل، وبدأوا بخاصتهم وذويهم فأصلحوا من أمرهم لقدموا لأمتهم خيراً كثيراً، إن الكلام سهل على البعض ولكن التطبيق عندهم صعب، ولهذا نجدهم يقولون ما لا يفعلون.

ما دعاني لكتابة هذه الأسطر هو أني كنت قبل فترة أراجع رئيس إحدى الإدارات الحكومية، فطلب مني ومن غيري من المراجعين بأن ننتظر إلى أن ينتهي من مكالمة هاتفية كنا نسمعه خلالها يُحاول بأن يُقنع الطرف الآخر على الهاتف ثم يستعطفه بأن يُمرّر معاملة "لشخص يهمه أمره" كما كان يقول له، طالباً منه أن "يطنّش" عن بعض النواقص فيها.
وبعد أن انتهى من مكالمته أخذ يستمع للمراجعين، ثم رفض طلبات أكثرهم لأنها كما يقول: ليست مكتملة، وأخذ يعطينا محاضرة عن أهمية تطبيق النظام، وإنه لا يمكن استثناء أحد من الأنظمة، وفات عليه إنه كان يبذل جهده قبل دقائق لتمرير معاملة ناقصة.

إن الكلام المنمّق وادعاء المثالية شيء سهل بالنسبة للكثير منّا، ولكن التطبيق الفعلي لما يدعيّه البعض هو الصعب بل هو مستحيل بالنسبة لمن لديهم ازدواج في الشخصية بين القول والفعل، واعتقد بأننا كنا سنحترم ونقدر كلام ذلك المسئول لو لم يحاول هو تجاوز النظام وكان قدوة لغيره في قبول النظام وتطبيقه.

..................

...


السهل والصعب !!


السهل ان نقرأ ونستمتع بما تكتب

والصعب ان نجد الرد اللائق بما تكتب






ابدعت ياابو عابد



سلمت يداك


...

الله يرحم الحال الموضوع جسيم وأكبر من أي تعليق نعم الكلام المنمق والمحاضرات والخطب الرنانه

كلها سهله ولكن الصعب الفعل والصدق في القول والعمل والتطبيق الفعلي وعدم أزدواجية الشخصيه والمعايير

وكثير هم من الناس واقع عليهم قول القايل خــذ أقوالهم ولاتأخـذ أفعالهم


ولو نظرنا لبعض الحالات أو الصفات التي يمقتها الله عز وجل عند الإنسان فإن أحــد أكبر هذه الحالات أن يكون كلام الشخص

في واد وعمله في واد اّخــر هذا هو التناقض بين الأقوال والأفعال وهذا الكلام يلقى للاستهلاك والواقع على خلافه

وقد نهانا الله عـز وجــل عن ذلك في قوله ( ‫يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ‬ )


أخي الحبيب وكاتبنا المتميز عبد الله 12 سلمت يمينك وبيض الله وجهك على طرح هذا

المقال الرائع والمفيد ودمت في خير وصحه وسعاده أستاذي

أستاذي الفاضل وافي

أسعدني مرورك، وشرفتني مداخلتك حوله.

دمت بحفظ الباري.

وجهك أبيض أخي الحبيب فتى الجميزه

تفضلت عليّ بمداخلتك الجميلة حول الفرق بين القول والفعل لدى بعضنا.

عندما نقرأ كيف دخل أهل إندونيسيا وغيرها في الإسلام نجد بأن السبب الرئيسي لذلك
هو ما شاهده ولمسه أهل تلك البلاد من صدق وأمانة تجار المسلمين الذين كانوا يتعاملون معهم،
أي أنهم كانوا قدوة ولم يكونوا "مُنظريّن" مثل الكثير في وقتنا هذا.

أسعد الله أوقاتك أخي الحبيب بكل خير وعافية