عتبتُ عليكم مرةً بعد مرةٍ،
وأفرطتُ في التعذال، واللوم، والزجرِ
فلما رأيتُ القول ليس بنافعي،
ولا النهيَ مقبولاً لديّ، ولا أمري
زجرتُ فؤادي زجرة عن هواكمُ
وقلتُ له سرّاً، فأصغَى إلى سرّي:
أفقْ كم يكون الهجر ممن تحبُه،
وهجرُ الذي تهوى أحرُّ من الجمر ..
وصبرك لو تدري على الهجر ساعةً،
وقد كنتَ ترجوه أحرّ من الجمرِ
تَعزَّ، فإنّ الغدر منه سجينةٌ،
ولا داء أدوى من معالجة الغدر
تَعزَّ، فإن اليأس يذهب بالهوى
ولا شيء أشفى للفؤاد من الهجرِ
تَعزَّ وداوِ القلب منك بهجره،
ففي الهجر، لو يأتي، شفا غُلّةِ الصدر..
فطاوعني قلبي، فبتُّ أرى الهوى،
وما كنتُ فيه كالجنون، أوِ السحر
وأصبح قلبي فارغاً من هواكمُ،
كأنْ لم يكن عاناه في سالف الدهر
وأضحى، وما فيه من الحب والهوى
إذا قيس، مقدار العَشير من الذَّرِّ
تبّاً لحرفكَ في الهوى ما أعجَمَه
وكأنّ صدرك للغياهبِ أسلَمهْ
تبّاً لصوتك كيف يحتدمُ المدى
شوقاً ويخفي بعد ذاك تتيّمه
تباً لقلبك يالقلبك ما ارعوى
عن قمعِ ثورات الضلوع المغرمة
يا أظلم العشّاق حسبك .. هل أنا
إلا الشعوب وأنت حكم الأنظمة !