عرض مشاركة واحدة
قديم 14 / 10 / 2001, 48 : 06 PM   #1
said622 
وئامي جديد

 


+ رقم العضوية » 1243
+ تاريخ التسجيل » 10 / 10 / 2001

+ الجنسْ »

+ الإقآمـہ »

+ مَجموع المشَارگات » 21
+ معَدل التقييمْ » 10
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة

said622 غير متواجد حالياً

افتراضي متعة الحرية السلبية

متعة الحرية السلبية

د.باسم خفاجي*
www.khafagi.com

يقول سارتر في كتابه الوجود والعدم، عن تعريف الحرية السلبية أنها "القدرة على أن تقول "لا" دون أن تكون لديك القدرة على الإبداع". تأملت هذه العبارة، وأنا أفكر في العالم العربي، وموضوع الحرية. فعندما نتحدث عن مفاهيم الحرية، وكبت الأنظمة، واشتياقنا إلى حرية الرأي، والرغبة في أن نعبر عن أنفسنا دون قيود أو رقابة، فهل نحن حقاً نبحث عن الحرية الإيجابية، أم أنها وسيلة للهروب من مواجهة النفس، وطريقة فعالة لإلقاء التهمة على الآخرين.

أن مما يلفت النظر أنه رغم تباين مساحة الحريات العامة في الدول العربية، وحريات التعبير عن الرأي من مكان إلى آخر بدرجات متفاوتة، إلا أن الشعوب لم تختلف كثيراً في تعاملها مع الحريات المتاحة، ولم تأخذ بها إلى الأمام، بل على العكس تجد أن الجميع يشتكي من قضية الحرية دون الاستفادة من المتاح منها، وكأن تمامها هو الموضوع الوحيد الباقي لكي نتقدم إلى الأمام كشعوب ترغب في الأخذ بأسباب النجاح.

لقد مررت في زياراتي للعالم العربي بدول لا تسمح بأي معارضة مكتوبة أو شفوية للنظام الحاكم، ويعاقب من يفعل ذلك بعقوبات صارمة، ومررت أيضاً بدول بها مساحات أكبر كثيراً من حرية الرأي والتعبير، فلك أن تلعن النظام، ولكن لا تخطط للانقلاب عليه، وقل ما تشاء، ولكن لا تواجه النظام عسكرياً، واكتب ما شئت ولكن لا تعمل بما كتبت فلن يعترض عليك أحد.

وزرت أيضاً دول تسمح بحرية الرأي القادم من الخارج، ولكنها تكبت أي رأي محلي أو قادم من الداخل، ولكنني في كل الأحوال فوجئت بالتماثل العجيب في نفوس العامة في كل تلك البلدان. الجميع يتحدث عن نقص الحرية، والأمل في المزيد منها، ولكنها فقط حرية الكلام وحرية السباب، والجميع أيضاً يضع كل المشكلات فوق رأس الحاكم والنظام.

لا شك أن الأنظمة العربية قد تجاوزت في مجملها العمر الافتراضي للتشغيل والكفاءة، وأصبحت في حاجة إلى تغيير كامل وجذري على كافة الأصعدة الفكرية والسياسية ولكن أعتقد أيضاً –وهذا هو المهم- أننا نعلق فشلنا الفكري والاجتماعي على النظام، ونعلق جميع مشاكلنا على النظام. صحيح أنها أنظمة لا تحقق مصالح شعوبها، ولا تعنى بأمنيات الأمة في حياة كريمة وحكم صالح، ولكن هذه الأنظمة هي وليدة واقعنا وليست المتسببة في هذا الواقع. إنها علامة المرض، ولكن الداء الحقيقي يكمن في كل منا.

لقد أصبحنا نتفنن في كراهية جميع الأنظمة في الشرق والغرب معاً، ولكننا عجزنا عن التعامل الإيجابي مع واقع هذه الأنظمة. لم نتحمل تبعة التغيير، ولسنا على استعداد لدفع ثمن الحرية، أو الانتفاع الإيجابي بالمساحة المتاحة منها بين أيدينا اليوم.

لم نعد نطالب بجدية بالمزيد من الحرية، لأننا لو حصلنا عليها فلن نفعل بها شيئاً فقد فضلنا الراحة على العطاء. وفضل أغلبنا إما أن يغمض عينيه، وكأن شيئاً لم يكن، واختار البعض الآخر أن يحمل السلاح، ويعلن الحرب على النظام وأعوان النظام، وكلاهما لم يستفد من المتاح لكي يحصل على المزيد.

إن العرب والمسلمين المقيمين في أمريكا والغرب يتمتعون بمساحات كبيرة من حرية الرأي، والجميع على شبكات الإنترنت ينعمون بالكثير من الحرية أيضاً، فكيف يستفيدون منها؟ الأغلب أن يجلس أحدنا في مجلس أو يدخل إلى منتدى ما على ساحات الإنترنت لكي ينهال بالسباب على الحكام ولعن الأنظمة، وسرد الفكاهات على أفعالهم.

وقد يستحق هؤلاء الحكام وتلك الأنظمة هذا السباب وتلك اللعنات، ولكن في النهاية لا يفعل المرء بذلك شيئاُ إلا تفريغ الرغبة في الحديث فيما هو ممنوع في بلاده، ولكن دون طائل. فلم يرفع السباب ظلم الحكام لشعوبنا المسكينة، ولم ترتفع قدراتنا على تغيير هذا الواقع الأليم، ولكننا فقط استمتعنا بالحرية ولكننا لم نستفد منها.

ألسنا حقا نمارس الحرية السلبية التي تحدث سارتر عنها: "القدرة على أن تقول "لا" دون أن تكون لدينا القدرة على الإبداع". إننا لا نستفيد من الحريات المتاحة لنا لكي نبحث في أحوال بلادنا، ولكي نقدم رؤى متطورة للتغيير الحقيقي، فقد أصبحنا كالنائحة التي لا تملك إلا العويل على ما مضى. لم نستغل الحرية الأمريكية أو الحريات المتاحة على شبكات الإنترنت لكي نمارس الضغط السياسي على حكام الشرق والغرب لخدمة قضايا الأمة العربية والإسلامية.

لم ننتفع من الحرية المتاحة لنا في توعية أبناء شعوبنا بأهمية المقاومة. لم نقدم لهذه المجتمعات نماذج حية تعكس كيف أن الحرية يمكن أن تغير الأفراد وتشعل في نفوسهم الرغبة في العطاء. نحن نبحث عن الحرية اليوم لكي نستمتع أكثر، ولكي ننطلق في دروب الحياة بحرية أكبر. فإذا كان بحثنا عن الحرية قد تحول إلى أنانية شخصية تطفئ الرغبات التي كانت مكبوتة عندنا كأشخاص، فلا داع لأن ندعي أن الأمة لم يبق في مسيرة جهادها ضد الظلم إلا أن تتاح لها الحرية.

إن الحريات لا تمنح ولا تعطى كمكرمة ملكية أو هبة أميرية، إنها تؤخذ بعطاء الرجال، ومهرها هو تضحيات المخلصين، وليس أنانية أصحاب الرغبات الدنيوية في الشهرة أو الترفيه عن أنفسهم أو إدعاء الرجولة والإقدام. إن الحرية الحقيقية التي ينبغي أن نسعى للحصول عليها هي حرية العطاء، وحرية الإبداع وحرية التغيير نحو الأفضل، وليس حرية التفكه على النظام فحسب.

يجب أن نضحي من أجل الوصول إلى القدرة على تحدي الظلم في كل بقعة من بقاع العالم الإسلامي والعربي، وليس فقط الحديث عن الظلم في المجالس. لابد أن ندرب أنفسنا على أن نضيء شموع الحرية على دروب التقدم لشعوبنا، بدلاً من أن نتفنن في لعن ظلمات القهر العربي الذي تمارسه الأنظمة الحالية.

إن الأنظمة الظالمة في كل مكان تظهر امتعاضها وتأففها ممن يسخرون منها ويتحدثون عنها، ولكنها تنتفض في فزع، وتحيا في رعب دائم وحقيقي عندما تكتشف أن هناك من يرغب في التغيير الجاد، وفي الاستفادة من كل الحريات المتاحة للحصول على المزيد من الحريات، والمزيد من الفوائد للمجتمع. فهل نحن نبحث عن امتعاض الأنظمة أم عن إصلاح المجتمعات؟


* رئيس مجلس إدارة المجموعة الإعلامية الدولية - واشنطن الولايات المتحدة*
www.khafagi.com

  رد مع اقتباس