عرض مشاركة واحدة
قديم 24 / 07 / 2007, 27 : 11 PM   #2
*ليان* 
العضويه الفضيه

 


+ رقم العضوية » 27422
+ تاريخ التسجيل » 20 / 10 / 2006

+ الجنسْ »

+ الإقآمـہ »

+ مَجموع المشَارگات » 975
+ معَدل التقييمْ » 10
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة

*ليان* غير متواجد حالياً

افتراضي

ثم شَهِدَ تعالى للمؤمنين بأنهم آمنوا بما آمن به رسولُهم، ثم شهد لهم جميعاً بأنهم آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله،فتضمنت هذه الشهادةُ إيمانَهم بقواعدِ الإيمان الخمسة التي لا يكون أحدُ مؤمناً إلا بها، وهي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر.

وقد ذكر تعالى هذه الأصولَ الخمسة في أول السورة ووسطها وآخرها، فقال في أوَّلِها: ( والَّذينَ يُؤْمِنونَ بما أُنْزِلَ إلَيْكَ وَما أنْزِلَ مِنْ قَبلِكَ وبالآخرة هُم يوقِنونَ) فالإيمانُ بما أنزل إليه وما أنزل من قبله يتضمن الإيمان بالكتب والرسل والملائكة، ثم قال: { وبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنونَ }، والإيمان بالله يدخل في الإيمان بالغيب وفي الإيمان بالكتب والرسل، فتضمّنت الإيمانَ بالقواعد الخمس.

وقال في وسطها: (ولكنَّ البِرَّ من آمَنَ باللهِ واليَوْمِ الآخِرِ والمَلائِكَةِ والكِتابِ والنَّبِيِّين ) ثم حكى عن أهل الإيمان أنهم قالوا: (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ )فنُؤمِنُ بِبعض، فلا ينفعنا إيمانُنا بمن آمنَّا به منهم كما لم ينفع أهلَ الكتاب ذلك؛ بل نؤمن بجميعهم ونصدِّقُهم ولا نفرِّق بينهم، وقد جَمَعَتْهم رسالةُ ربِّهم فنفَرِّق بين من جمعَ اللهُ بينهم، ونُعادي رسلَه، ونكون معادين لهم فبايَنوا بهذا الإيمانِ جَميعَ طوائفَ الكُفَّار المكذِّبينَ لجنس الرسل، والمصدقين لبعضهم المكذّبين لبعضهم.

وتضمن إيمانُهم بالله إيمانَهم بربوبيَّتِه، وصفاتِ كمالِه، ونُعوتِ جلالِه، وأسمائه الحُسنى، وعُمومِ قُدرتِه ومشيئَتِه، وكمالِ علمه وحِكمتِه، فبايَنوا بذلك جميعَ طوائف أهل البدع والمنكرين لذلك أو لشيءٍ منه؛ فإنَّ كمال الإيمان باللهِ يتضمَّن إثباتَ ما أثبَتَه لنفسه، وتنزيهَه عمَّا نَزَّهَ نفسَهعنه، فبايَنوا بِهذَيْنِ الأمرين جميعَ طوائفِ الكفر، وفرقِ أخل الضلال الملحدين في أسماء الله وصفاته.

ثم قالوا: (سَمِعْنا وَأَطَعْنا )فهذا إقرارٌ منهم رُكْنَي الإيمان الذي لا يقوم إلاَّ بِهما، وهما السمعُ المتضمّن للقَبولِ؛ لا مجرّد سمع الإدراك المشترك بين المؤمنين والكافرين؛ بل سمعُ الفَهْمِ والقَبول، و الثاني: الطاعة المتضمّنة لكمال الانقياد وامتثال الأمر، وهذا عَكْسُ قول الأمَّة الغضبية (سَمِعْنا وَعَصَيْنا ).

فتضمّنت هذه الكلماتُ كمالَ إيمانهم، وكمالَ قبولهم، وكمال انقيادهم، ثم قالوا: (غُفْرانَكَ رَبَّنا وإلَيْكَ المَصيرُ )لِما علموا أنهم لم يوفوا مَقامَ الإيمانِ حقَّه مع الطاعة والانقياد الذي يقتضيه منهم، وأنهم لا بدَّ أن تميلَ بهم غلباتُ الطِباع ودواعي البشرية إلى بعض التقصير في واجبات الإيمان، وأنه لا يَلُمُّ شَعْثَ ذلك إلاَّ مغفرةُ الله تعالى لهم، سألوه غُفْرانَه الذي هو غايةُ سعادتهم، ونهايةُ كمالهم؛ فإن غايةَ كلِّ مؤمن المغفرةُ من الله تعالى، فقالوا: (غُفْرانَكَ رَبَّنا)ثم اعترفوا أنَّ مصيرهم ومردَّهم إلى مولاهم الحقّ لا بدَّ لهم من الرُّجوع إليه فقالوا: (وَإلَيكَ المَصيرُ).

فتضمّنت هذه الكلمات إيمانَهم به، ودخولَهم تحت طاعته وعبوديته، واعترافَهم بربوبيته، واضطرارَهم إلى مغفرته، واعترافَهم بالتقصير في حقِّه، وإقرارَهم برجوعهم إليه.

ثم قال تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إلاَّ وِسعَهَا )فنفى بذلك ما توهّموه من أنه يعذّبهم بالخَطَرات التي لا يملكون دفعَها، وأنها داخلة تحت تكليفه، فأخبرهم أنه لا يكلّفهم إلا وسعهم، فهذا هو البيان الذي قال فيه ابن عبّاس وغيره فنسخها الله عنهم بقوله: (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إلاَّ وِسْعَها ) قد تضمَّن ذلك أنَّ جميعَ ما كلَّفهم به أمراً ونهْياً فهم مطيقون له قادرون عليه، وأنه لم يكلّفهم ما لا يطيقون، وفي ذلك ردٌّ صريح على من زعمَ خلاف ذلك.

والله تعالى أمرهم بعبادته، وضَمِنَ أرزاقَهم، فكلَّفهم من الأعمال ما يسعونه، وأعطاهم من الرزق ما يسعهم، فتكليفهم يسعونه، وأرزاقهم تسعهم، فهم في الوسع في رزقه وأمره: وسِعوا أمره، ووسعَهم رزقُه، ففرَّقَ بين ما يسع العبدَ وما يسعه العبدُ، وهذا هو اللائق برحمته وبِرّه وإحسانه وحكمته وغِناه؛ لا قولَ من قال إنه كلَّفهم ما لا قُدرةَ لهم عليه البتَّةَ ولا يطيقونه ثم يعذّبهم على ما لا يعملونه.

وتأمَّل قوله عزوجل: (إلاَّ وِسْعَها ) يف تجد تحته أنهم في سِعَة ومنحة من تكاليفه؛ لا في ضيق وحرج ومشقَّة؛ فإنَّ الوسع يقتضي ذلك، فاقتضت الآية أنما كلَّفهم به مقدور لهم من غير عُسر لهم ولا ضيق ولا حرج؛ بخلاف ما يقدر عليه الشخصُ فإنه قد يكون مقدوراً له ولكن فيه ضيق وحرج، وأما وسعه الذي هو منه في سِعة فهو دون مدى الطاقة والمجهود؛ بل لنفسه فيه مجال ومُتَّسَع، وذلك مُنافٍ للضيق والحرج { وما جَعَلَ عَلَيْكُم في الدِّينِ من حَرَجٍ } بل { يُريدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ ولا يُريدُ بِكُمُ العُسْرَ } قال سفيان بن عيينة: في قوله: {إلاَّ وسعَها} إلاَّ يُسْرها لا عسرها، ولم يكلفها طاقتها، ولو كلّفها طاقتها لبلغ المجهود.

فهذا فهم أئمة الإسلام. وأين هذا من قول من قال: إنه كلَّفهم ما لا يطيقونه البتَّةَ ولا قُدرة لهم عليه؟

ثم أخبر تعالى أن ثمرة هذا التكليف عائدة عليهم، وأنه تعالى يتعالى عن انتفاعه بكسبهم وتضرّرِه باكتسابهم؛ بل لهم كسبهم ونفعه، وعليهم اكتسابهم وضرره، فلم يأمرهم بما أمرهم به حاجةً منه إليهم؛ بل رحمة وإحساناً وتكرُّماً. ولم ينهَهُم عما نهاهم عنه بُخلاً منه عليهم بل حِميةً وحفظاً وصيانة وعافية.

وفيه أيضاً أن نفساً لا تُعَذَّب باكتساب غيرها، ولا تُثاب بكَسبِه، ففيه معنى قوله: { وأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعَى } ، { وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى }.

وفيه أيضاً إثبات كسبِ النفس المُنافي للجَبْر.

وفيه أيضاً اجتماع الحكمة فيه، فإما كسب خيراً أو اكتسب شرَّاً، لم يُبْطِل اكْتسابُه كسبَه، كما يقوله أهل الإحباط والتخليد؛ فإنهم يقولون: إنَّ عليه ما اكتسب وليس له ما كسب، فالآية رَدٌّ على جميع هذه الطوائف، فتأمل كيف أتى فيما لها بالكسب الحاصل، ولو لأدنى ملابسة، وفيما عليها بالاكتساب الدالّ على الاهتمام والحرص والعمل؛ فإنَّ اكتسب أبلغ من كسب، ففي ذلك تنبيه على غلبة الفضل للعدل، والرحمة للغضب.

ثم لما كان ما كلفهم به عهوداً منه ووصايا وأوامر تجب مراعاتها والمحافظة عليها،وأن لا يخلّ بشيء منها؛ ولكن غلبات الطباع البشرية تأبى إلاَّ االنسيان والخطأ والضعف والتقصير، أرشدهم الله تعالى إلى أن يسألوه مسامحته إياهم في ذلك كله، ورفعَ موجبِه عنهم بقولهم: {رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إنْ نَسينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا ولا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلى الَّذينَ مِنْ قَبْلِنا } أي لا تكلِّفنا من الآصار التي يثقل حملها ما كلَّفتَه مَن قَبلَنا؛ فإنا أضعف أجساداً وأقلّ احتمالاً.

ثم لما علموا أنهم غير منفكِّين مما يقضيه ويقدِّره عليهم، كما أنهم غير منفكين عما يأمرهم به وينهاهم عنه، سألوه التخفيف في قضائه وقدره، كما سألوه التخفيف في أمره ونهيه فقالوا: { رَبَّنا ولا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ } فهذا في القضاء والقدر والمصائب، وقولهم: { رَبَّنا ولا تَحْمِلْ عَلَيْنا إصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلى الَّذينَ مِنْ قَبْلِنا } في الأمر والنهي والتكليف فسألوه التخفيف في النوعين.

ثم سألوه العفوَ والمغفرةَ والرحمة والنصر على الأعداء؛ فإن بهذه الأربعة تتم لهم النعمة المطلقة، ولا يصفو عيش في الدنيا والآخرة إلا بها، وعليها مدار السعادة والفلاح، فالعَفْوُ متضمّن لإسقاط حقِّه قِبَلَهُم ومسامحتهم به، والمغفرة متضمنة لوقايتهم شرّ ذنوبهم وإقباله عليهم ورضاه عنهم؛ بخلاف العفو المجرّد؛ فإنّ العافي قد يعفو ولا يُقْبِل على من عفا عنه ولا يرضى عنه، فالعفو ترك محض، والمغفرة إحسان وفضل وَجُود، والرحمة متضمنة للأمرين مع زيادة الإحسان والعطف والبر، فالثلاثة تتضمن النجاة من الشَّرِّ والفوز بالخير، والنُّصرة تتضمن التمكين من إعلان عبادته وإظهار دينه وإعلاء كلمته، وقهر أعدائه، وشفاء صدروهم منهم، وإذهاب غيظ قلوبهم، وحزازات نفوسهم. وتوسَّلوا في خلال هذا الدعاء إليه باعترافهم أنه مولاهم الحق الذي لا مولى لهم سواه، فهو ناصرهم، وهاديهم، وكافيهم، ومعينهم، ومجيب دعواتهم، ومعبودهم.

فلمَّا تحقَّقت قلوبهم بهذه المعارف وانقادت وذلَّت لِعِزَّة ربِّها ومولاها وإجابتها جوارحهم أُعْطُوا كلّما سألوا من ذلك، فلم يسألوا شيئاً منه إلا قال الله تعالى: قد فعلتُ، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.

فهذه كلمات قصيرة مختصرة في معرفة مقدار هذه الآيات العظيمة الشأن، الجليلة المقدار، التي خصّ اللهُ بها رسولَه محمداً صلى الله عليه وسلم وأمَّته من كنز تحت العرش.

وبعد، ففيها من المعارف وحقائق العلوم ما تعجز عقولُ البشر عن الإحاطة به، والله المرغوب إليه أن لا يحرمنا الفهم في كتابه، إنه رحيم ودود.

والحمد لله وحده وصلى الله وسلم على من لا نبيَّ بعدَه وآلِه وصحبه أجمعين.

منقووووووووووووول

  رد مع اقتباس