الموضوع: خلوة إلى النفس
عرض مشاركة واحدة
قديم 02 / 07 / 2012, 57 : 08 AM   #1
عبدالله 12 
مدير المنتدى العام

 


+ رقم العضوية » 52810
+ تاريخ التسجيل » 17 / 04 / 2011

+ الجنسْ »

+ الإقآمـہ »

+ مَجموع المشَارگات » 2,588
+ معَدل التقييمْ » 1365
شكراً: 16
تم شكره 75 مرة في 68 مشاركة

عبدالله 12 غير متواجد حالياً

افتراضي خلوة إلى النفس


تتوالى الأيام على الإنسان وهو مشغول في أموره الحياتية الخاصة منها والعملية، يخرج من أمر ليدخل في آخر، لا يكاد يستريح ليلتقط أنفاسه، شأنه في ذلك شأن القارب الذي يبحر بين الأمواج القوية متنقلاً من مرفأ إلى غيره.
تمر عليه الأيام ثم الشهور والسنين وهو مستمر على ما تعوّد عليه، يسير مع السائرين ولا يجد لديه الوقت الكافي، أو الرغبة أحياناً ليخلوا إلى نفسه ليرى أين هو مما هو مطلوب منه.

إن معظمنا قلّ أن يظفر بخلوة يسكن إليها، ووقت يمضيه مع نفسه،
يبتعد فيه عن الضوضاء بقدر استطاعته،
يصرف سمعه وبصره عن الناس قليلا، ويأخذ عن قلبه فقط،
يتوجه فيها إلى الله الملهم الهادي، فهذه الأوقات قد تكون أجدى من السنوات، هي أوقات قد يهتدي بها الإنسان إلى ما لا يهتدي به في طويل الزمان.
وإذا خلى الإنسان إلى نفسه، ونفى عن سمعه وعينه من كل ما يشغلهما من أصواتٍ ومشاهد، واستوحى ربه، وسمع قلبه في سكون الليل وهدأة السحَر، فعسى أن يفقه في ساعة ما يفقهه في أيام، بل قد يدرك في لمحة ما لم يدركه في سنين،
وعسى أن تتنزل عليه في هذه الخلوة من المعاني ما لم يخطر له من قبل،
وعسى أن يُفتح له طريق جديد في الحياة، ويبين له رأي في نفسه سديد، فقد تعن له فكرة يكون فيها مصلحة كبرى، فكثير مما أبدع فيه المفكرون كانت بدايته من خلال تلك الخلوات.

يقول الدكتور مصطفى محمود رحمه الله في كتابه "رحلتي من الشك إلى الإيمان":
(اللحظة الصادقة ، هي لحظة الخلوة مع النفس حينما يبدأ ذلك الحديث السري .. ذلك الحوار الداخلي .
تلك المكالمة الانفرادية حيث يصغى الواحد إلى نفسه دون أن يخشى أذناً أخرى تتلصص عليه .
ذلك الإفضاء والإفشاء والاعتراف والطرح الصريح من الأعماق،
وهي لحظة من أثمن اللحظات .
إن الحياة تتوقف في تلك اللحظة لتبوح بحكمتها، ولنستفيد منها لمستقبل أيامنا").

إن الإنسان الذي لا يواجه نفسه بين الحين والآخر بصدق، فيقف معها يحاسبها بعدل، يرى ما لها وما عليها، يسترجع أخطائه، فهو بالتأكيد قد فوّت على نفسه الكثير، وهو بهذا لا يتعلم من تجارب الحياة معه ومع غيره،
وقد لا يبصر عيوبه أبداً وبالتالي لا أمل في إصلاحها، بينما نحن نستطيع أن نتعلم شيئاً على الأقل من كل إنسان نلقاه، فنتعلم من الجيّد ما يفيدنا، ونتجنب من غيره كل سلوك أو تصرف غير حميد.


  رد مع اقتباس