عرض مشاركة واحدة
قديم 09 / 03 / 2008, 19 : 12 PM   #2
غزالة الجنوب 
مشرفة عامة

 


+ رقم العضوية » 27327
+ تاريخ التسجيل » 16 / 10 / 2006

+ الجنسْ »

+ الإقآمـہ »

+ مَجموع المشَارگات » 10,887
+ معَدل التقييمْ » 911
شكراً: 0
تم شكره 4 مرة في 4 مشاركة

غزالة الجنوب غير متواجد حالياً

افتراضي

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
يعيش النمل ضمن مستعمرات كبيرة يعيش فيها مئات أو ملايين الأفراد
وفي ذلك تنبيه ليوقظ العقول إلى ما أعطيته من الدقة وحسن النظام والسياسة، وما أوتيت من حسن الهندسة في مساكنها ودهاليزها، فأما مساكنها فهي تتخذ القرى تحت الأرض، ولبيوتها أروقة ودهاليز وغرفات ذوات طبقات، سوف نشرحها تفصيلاً فيما بعد، وأما نداؤها لمن تحت إمرتها وجمعها لهم فإنما يشير إلى أسلوب سياستها وحكمتها في تصريف أمورها.
جاءت: (مساكن) بصيغة الجمع لتوحي بأنها لم تقتصر على فن واحد في عمارة بيوتها، بل هناك أنواع أخرى من البيوت في أماكن مختلفة من البيئة، فهي تبني مساكن فوق الأرض كالتي تحتها، وتتخذ من الأشجار العتيقة بيوتاً، كما يتخذ الإنسان من الجبال بيوتاً.


ومن يتأمل صنع قدماء المصريين في السراديب تحت الأرض والمغارات والتجاويف وما بنوا فوقها من الأهرامات، لا ندرى من علّم الآخر، ولكننا على يقين أن النمل هدى إليه بفطرته التي فطره الله عليها، بلا تعليم ولا مدرسة، فهو متواجد قبل الإنسان بملايين السنين.

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
صورة لبعض دهاليز النمل من الداخل أنظر ما أعظم مخلوقات الله
وتعبير ( المسكن) يوحى بالراحة والطمأنينة والأمان والاستقرار والسكينة والوقار، وذلك بعد الجد طوال النهار، ولا يتأتى ذلك إلا إذا كان المسكن يحوي كل مقومات الحياة مع نظام دقيق ينضبط مع منهج الفطرة السليمة.
تنبيه هام:في هذا السياق { ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ } تنبيه على أمر هام وهو أن من يسير في الطريق لا يلزمه التحرز، وإنما يلزم من يوجد في الطريق التحرز، ومثل ذلك نجد الرجل يمشي ليلاً في وسط الطريق الممهد للسيارات، وقد يكون ملبسه داكن وقد لا يُرى من الأشجار التي تحف بالطريق، ويتعذر رؤيته لراكبي السيارات فيكون حاله كمان عرض نفسه للخطر، فيجب عليه أن يتحرز في السير تاركاً الطريق للعربات وخلافه...
{ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ }:استوقفني هذا اللفظ كثيراً في تدبره وماذا يعني التحطيم هل هو تحطيم النفوس أم تحطيم الأجسام، أم كليهما معاً ؟ ولماذا هذا اللفظ بالذات ؟
يقول الفخر الرازي في تفسيره: إن تلك إنما أمرت غيرها بالدخول لأنها خافت على قومها أنها إذا رأت سليمان في جلالته، فربما وقعت في كفران نعمة الله تعالى، وهذا هو المراد بقوله: { لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ }، فأمرتها بالدخول في مساكنها لئلا ترى تلك النعم فلا تقع في كفران نعمة الله تعالى، وفي هذا تنبيه على أن مجالسة أرباب الدنيا محظورة. أ. هـ(5).
ويقول القرطبي في تفسيره: لم ترِد ( حطم النفوس)، وإنما أرادت ( حطم القلوب) خشية أن يتمنين مل ما أُعطي أو تفتن بالدنيا، ويشتغلن بالنظر إلى ملك سليمان عن التسبيح والذكر.أ.هـ(6).
ولا عجب عندما تسمع بقول كل من الفخر الرازي والقرطبي في هذا المعنى، فعندما نتدبر ما قالته النملة، نعلم أننا بصدد مخلوق عجيب له فهم العقلاء وبلاغتهم، وبالإضافة إلى حياته الاجتماعية المثالية، فمن الممكن أن يكون ما قالوه عن النملة في تحطيم النفوس والقلوب فيه درجة كبيرة من الصحة.
وأما من الوجهة العلمية، فإن هذا اللفظ بالذات له معنى علمي عميق، ولا ينفع في هذا المكان غيره، فنحن نعرف مثلاً أن الهيكل العظم للإنسان هو عظامه، وهي بداخل الجسم، وعند كسر عظمة منه أو أكثر لا يتحطم الجسد كله، بل من الممكن أن يجبر هذا الكسر، وذلك عكس ما في النملة تماماً، فإن هيكلها هو الذي يحيط بها من خارج جسمه، فالنملة حشرة، وهي كباقي الحيوانات مفصليات الأرجل (7)، أجسامها مغطاة بهيكل كيتيني ( الجليد)، وأهم وظائف هذا الهيكل هو حماية الأعضاء والأنسجة الداخلية من الجفاف والأضرار الميكانيكية، كما تتصل به أيضاً العضلات وترتكز عليه، ويتأثر نموها به، ويتكيف بخواصه سلوكها، ولا يغطي هذا الهيكل جسم الحشرة من الخارج فيحميه فحسب، ولكن يبطن أيضاً الفجوات التي تتكون أصلاً من الإكتوديرم (8)، كتجويف الفم، والجزء الأمامي من القناة الهضمية، وكذلك الجزء الخلفي منها، والقصيبات الهوائية، والقنوات التناسلية الإضافية الخلفية، والغدد المتنوعة التي تفتح على سطح الجسم.... ولجدار الجسم مرونة محدودة، ولكنه غير قابل للتمدد إلا في فترة محدودة وقصيرة تلي الانسلاخ(9). ويختلف هذا الجليد في سمكه وصلابته كثيراً، فهو رقيق جداً مرن الأجزاء القابلة للحركة التي بين حلقات الجسم، وقد يكون سميك جداً صلب في الأجزاء الأخرى القليلة أو العديمة الحركة، ومن خواصه الكيميائية أنه لا يذوب في الماء أو في الكحول أو في المذيبات العضوية الأخرى، كما أنه لا يذوب في الأحماض المخففة ولا في القلويات المخففة أو المركزة، ولكنه يذوب في الأحماض المركزة...


ودون التدخل في التفاصيل الدقيقة لتراكيب هذا الهيكل وخواصه الطبيعية والكيميائية – والتي قد تطول ويملّها غير المتخصصين، تكفي هذه المقدمة البسيطة التي يتضح لنا من خلالها أن الإضرار بهذا الهيكل، كالدهس تحت الأقدام مثلاً، ينتج عنه تهشيم وتحطيم لهذه الحشرة، فعند كسر أي جزء من الهيكل تنزف محتويات الجسم ويخرج عن آخره، ثم يصيبه الجفاف، وتنتهي حياته... فالكسر هنا غير قابل للجبر، ولكنه يؤدي إلى تحطيم الحشرة تماماً وموتها... لذا كان هذا اللفظ بذاته هو الذي يحمل في طياته هذا المعنى العلمي الدقيق لتراكيب جسم الحشرة، وهي النملة.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
يغطي جسم النملة هيكل من مادة صلبة من الكيتين عندما تتعرض لضغط كبير يتحطم جسم النملة
هل هذه النملة من جند سليمان عليه السلام ؟ وكيف عرفت بأنه سليمان وجنوده؟
أغلب الظن أن النملة ليست من جند سليمان عليه السلام، لقول الله سبحانه وتعالى: { وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } [النمل: 17]. والنملة ليست من هذه العوالم أو الطوائف أو الأقسام، وقوله: { مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ } بيان للجنود، فهي ثلاثة أصناف: صنف الجن، وهو لتوجيه القوى الخفية والتأثير في الأمور الروحية ؛ صنف الإنس وهو جنوده تنفيذ أوامره ومحاربة العدو وحراسة المملكة ؛ وصنف الطير وهو من تمام الجند لتوجيه الأخبار وتلقيها وتوجيه الرسائل إلى قواده وأمرائه، فربما يكون السؤال قد اقتصر على ذكر الجن والطير لغرابة كونهما من الجنود، فلذلك لم يذكر الخيل، وهي من الجيش، فلم لا يكون النمل كذلك ؟ وللإجابة على ذلك قال الله سبحانه وتعالى: { قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ }، فقول النملة يدل دلالة قاطعة على أنها ليست من جند سليمان وإلا كان عليها أن تكون في الحشر مع باقي هذه الأقسام أو الطوائف، ولكنها أمرت جندها بالدخول إلى المساكن والابتعاد عن طريق سليمان وجنده، فهي مملكة قائمة: لا سلطان لنبي الله سليمان عليها، غير أنه تعلم لغتها بأمر ربه، وأخذ العبر من تصرفاتها، مما جعله يبتسم... إذن، فكيف عرفت أنه سليمان نبي الله ؟



.
.
ربي يسعد ايامك ياشيخنا

 

  رد مع اقتباس