لا تخلو حياتنا من منغصات يكون بعضها لأسباب خارجة عن إرادتنا، بينما قد يكون بعضها بسببنا نحن نتيجة لتسرعنا في الحكم على بعضنا، أو لسوء فهم منّا تجاه غيرنا فيحدث العتاب الشديد الغير مبرر الذي قد تكون من نتائجه التخاصم والفرقة.
الشاعر سعيد بن حميد بن بحر من شعراء بغداد المميزين في معظم أغراض الشعر المعروفة، عاش خلال العصر العباسي، وكان مقرباً إلى أبي العباس الذي دعاه يوماً إلى مجلسه فلم يجب دعوته بسبب انشغاله بضيف كان عنده، فعاتبه أبو العباس عتاباً شديداً، فكتب الشاعر سعيد بن حميد إليه بهذه الأبيات التي تتضمن الكثير من الحكمة والنصيحة والتي تدعو في مجملها إلى ضرورة الإقلال من العتاب، حتى لا نندم حين يموت أحدنا ونحن متخاصمان:
أقلل عتابك فالبقـــــــــــــــاء قليل * * * والدهر يعدل تارة ويميل
لم أبك من زمن ذممت صروفه * * * الا بكيت عليه حين يزول
ولكل نائبــــــــــــــــــة ألمّت مدة * * * ولكل حال أقبلت تحــــــويل
والمنتمون إلى الاخـــاء جماعة * * * إن حصَّلوا أفنــاهم التحصيل
ولعل أحـــــــداث الليالي والردى * * * يوما ستصــــدع بيننا وتحول
فلئـــــن سبقــــتُ لتبكينّ بحسرةٍ * * * وليكثرنّ عليَ منك عويـــــــــل
ولتفجعن بمخلص لك وامــــــــق* * * حبل الوفـــــــاء بحبله موصول
وليذهبنّ جمــــــــال كلّ مروءة * * * وليعفــــــــــــونّ فناؤها المأهول
ولئن سبقـت -ولا سبقتَ- ليمضين * * * من لا يشاكله لديّ عـــــديل
وأراك تكلف بالعتــــاب وودنا * * * باق عليه من الوفـــــــــــاء دليل
ود بدا لذوي الاخــــــــاء جميلة * * * وبدت عليه بهجة وقبــــــــــول
ولعلّ أيّــــــام الحيـــــــاة قصيرةٌ * * * فعـــــــلام يكثر عتبنا ويطـــول
هي دعوة لنا جميعاً، ونحن في ليلة العيد بأن نتغاضى قليلاً عن لومنا لبعضنا وخاصة لمن نحب،
حتى تسير الحياة سعيدة هانئة لا تكدرها صغائر الأمور،
بل ليتنا نبادر للتواصل مع من فصلتنا عنهم سحابة من العتاب.
كل عام وأنتم بخير وسعادة.