النزاهة باختصار تعني "النقاء" قولاً وفعلاً، حيث أن الإنسان النزيه لا يمكن أن يقول شيئاً بينما هو يضمر ما يُخالف ما يقوله . . . هو لا يكذب . . . وهو لا يؤمن بشيء ويفعل غير ما يؤمن به.
ولعل من أهم الفوائد التي تعود على الشخص النزيه هي السلام الداخلي الذي يشيع داخل نفسه، والسبب في ذلك هو عدم وجود تناقض بين مبادئه وأعماله، وذلك بعكس من لا يكون نزيهاً حيث نجده في صراع مستمر بين المبادئ الصحيحة وبين أعماله المناقضة لذلك.
وتمنح النزاهة للشخص النزيه طاقة إضافية في الفكر والسلوك تجعل منه ناجحاً في قراراته وأفعاله، حيث تزيد من قدرته على التمسك بما هو صواب حتى وإن كان وحيداً، وأن لا يقبل ما هو خطأ، ويستمر في مقاومته حتى النهاية.
وهي تُعطي الشخص الجراءة على قول الحق، والقوة على مجابهة الأحداث، والاتزان الراجح الذي يستطيع من خلاله أن يواجه كافة المواقف.
ونصل إل السؤال المهم وهو: كيف أكون نزيهاً؟
الجواب هو في الأمانة التامة في كافة الأحوال، والصدق في الصغيرة والكبيرة، وتقدير المسئولية والإخلاص في العمل.
وهذا نجده في القصة المشهورة للابنة التي رفضت طلب أمها بأن تخلط اللبن بالماء لزيادة حجم اللبن المباع، وذلك عندما خرج أميرالمؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- ومعه خادمه أسلم ومشيا في طرقات المدينة للاطمئنان علي أحوال الناس، وبينما هما يسيران سمعا صوت امرأة عجوز داخل أحد البيوت تأمر ابنتها أن تخلط اللبن بالماء قبل أن تبيعه للناس،
فرفضت الابنة أن تغش اللبن بالماء، وقالت لأمها: إن أمير المؤمنين نهي أن يخُلط اللبن بالماء، وأرسل مناديا ليخبر الناس بذلك.
فألحَّت الأم في طلبها ، وقالت لابنتها : أين عمر الآن ؟! إنه لا يرانا.
فقالت الابنة النزيهة الأمينة: وهل نطيع أمير المؤمنين أمام الناس ونعصاه في السر.
فسعد أمير المؤمنين بما سمعه من هذه الفتاة، وأعجب بإيمانها وأمانتها. وفي الصباح سأل عنها فعلم أنها بنت سفيان بن عبد الله الثقفي وعرف أنها غير متزوجة ، فزوّجها لابنه عاصم وبارك الله لهما فكان من ذريتهما الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز رحمه الله.
إنها النزاهة التي نتمنى أن تكون لدينا جميعاً ونزرعها في أطفالنا وصغارنا، والتي أتمنى أيضاً أن تكون لدى من حُملوا مسئولية أمور المسلمين بكافة مواقعهم دائماً وخاصة في هذه الأيام بعد صدور قرار إنشاء "هيئة مكافحة الفساد" المالي والإداري في المملكة، والتي نتمنى بأن تكون سيفاً مسلطاً على أهل الفساد بأنواعه المختلفة التي تسببت في تأخير أو عدم تنفيذ الكثير من المشاريع الخدمية التي تصب في مصلحة الوطن والمواطنين.