عرض مشاركة واحدة
قديم 29 / 07 / 2009, 04 : 07 AM   #31
wafei 
مدير عام المنتديات

 


+ رقم العضوية » 1
+ تاريخ التسجيل » 16 / 04 / 2001

+ الجنسْ »

+ الإقآمـہ »

+ مَجموع المشَارگات » 37,675
+ معَدل التقييمْ » 10199
شكراً: 265
تم شكره 102 مرة في 99 مشاركة

wafei غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مذكرات : مغتربة في الأفلاج ...

.............

...


راجع لكم بس استنوا لين نشوف آخرتها مع بشائر المغتربة ومذكراتها

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


مذكرات مغتربة في الأفلاج ( 19 )
في آخر النفق.. ورقة بيضاء


كانت والدتي في هذه الفترة تشتكي من آلام مبرحة في صدرها وكانت تردد مقولتها سأموت وأنت بعيدة عني يا شيخة. إلا أنني أحاول أن أغرس فيها بذرة الأمل لتنتظر معي حصاد حركات النقل في آخر السنة والذي لن يأتي على ما يبدو، وكنت أردد بيني وبين نفسي لن أسمح لليأس باغتيال حلمي، الوظيفة حق من حقوقي بعد سنوات التعب والدراسة، لا دور لي في أني لم أكن بنت فلان من الناس حيث تعينت بناتهم في المكان الذي يرغبن فيه، ولا دور لي في أنني لم أمتلك واسطة تنقلني بعد بضعة أيام دراسية كما حصل مع إحداهن لكن بيدي أن أتشبث بحلمي وإنجازاتي وحقوقي، فأسمع صوت أمي خافتا متعبا يأتيني من الخلف.. حتى لو كنت أنا الثمن يا شيخة؟ فألتفت لها كي أحتضنها وأنا أشعر بالتداعي والوهن، لا يا أمي أنت القوة التي أستطيع بها عمل كل هذا، بدونك لاشيء من حلمي سيتحقق. لكن الأطباء يقررون بعد مدة أن يجروا لها عملية قلب مفتوح، لم تكن بحاجة لوجودي كما هي بحاجة إلى دعواتي فقد تركناها جميعا تواجه الموت والألم وحيدة في غرفة العمليات وبعدها في غرفة العناية المركزة لمدة عشرة أيام. وبعد أن أنهت مدة إقامتها في المستشفى كان لابد من البقاء بجانبها لبعض الوقت بعد عودتها للبيت سالمة بحمد الله، إلا أنني لم أكن أعرف كيف.... لقد استنفدت ما تبقى من إجازتي الاضطرارية وتجاوز غيابي متفرقا ما مقداره عشرة أيام تقريبا، لم يكن أمامي إلا الدموع التي أغرق فيها ليلا ونهارا وتوسلاتي للمديرة والتي لم تجد نفعا فكانت تقول لي إن كانت عندك مسؤولية تجاه أمك فلديك مسؤولية أيضا تجاه الطالبات.
لم أستطع إفهامها أن مسؤولية الطالبات تنوب عني فيها الكثيرات أما مسؤوليتي تجاه أمي فلا ينوب عني فيها أحد.. كانت صحة أمي تتدهور شيئا فشيئا، وأنا متشبثة بما قدمت من تضحيات حتى الآن ولا أرغب في التنازل عن وظيفتي، وحتى الإجازة الاستثنائية (بدون راتب) كانت مشروطة بموافقة المديرة التي لم ولن توافق عليها حتى لا تتحمل مسؤولية تأخر المناهج مثل كل المديرات هناك. ولكني لا أستطيع أيضا التخلي عن أمي. كانت آخر محاولة لي أن أرسلت أبو رعد لإدارة التعليم بخطاب شرحت فيه ظروفي الأسرية القاهرة. فسلمه للمسؤول وقال ساعدوها لأنها سوف تستقيل فما كان من ذلك المسؤول إلا أن فتح درج مكتبه وأعطاه ورقة بيضاء وقال إذا كانت لا تملك ورقة فهذه ورقة بيضاء فلتكتب عليها استقالتها، عاد ليخبرني بما حدث فأيقنت أنه لا فائدة وبدأت بالاستعداد نفسيا للاستقالة... فلا شيء يعدل أمي في كل هذا الكون، لابد أن أكون بجانبها. من جانب آخر فإن كل المعلمات يعرفن بما حدث لأمي ويسألن عنها وعني باستمرار كصورة من صور التلاحم في الغربة. وشعرن بالأسى عندما علمن بقرار الاستقالة. وذات يوم.. هاتفتني رباب إحدى زميلاتنا المغتربات ولكن في مدرسة أخرى، قالت لي هل تنوين تقديم استقالتك بالفعل؟ أجبتها نعم لن أتنصل من واجبي تجاه أمي حتى لو كان الثمن مستقبلي بأكمله.
قالت تريثي ولا تستعجلي، فعندي لك عرض رائع، أتمنى أن تستفيدي منه، سألت متلهفة ما هو؟ قالت خالي يعمل في وظيفة كبيرة في نفس المستشفى الذي نومت فيه والدتك وتعاطف معك كثيرا عندما سمعني أتكلم عنك. وهو الآن يعرض عليك المساعدة.. قال اطلبي منها أن تتصل بي على هاتف المستشفى..
اتصلت به مباشرة فالوقت ليس في صالحي، سلمت وعرفته بنفسي ولفت نظري مخاطبته لي طوال الوقت بأستاذة شيخة. قال زورينا في المستشفى وسوف أكلم أحد الأطباء ليمنحك إجازة لمدة أسبوعين، قلت بسرعة لست مريضة أمي هي المريضة قال أعلم لكن هذا هو الطريق الوحيد لتكوني بجانبها، وتحافظي على وظيفتك. إن رغبت.... وكما أخبرتكم فإن الغربة علمتني الكثير ومنها سوء الظن، قلت له بكل وقاحة.. وهذه الخدمة مقابل ماذا؟ صمت لبعض الوقت وكأنه صدم من جرأتي. ثم قال مقابل دعائك لي بظهر الغيب.

قلت أليس هذا الأمر حراما؟ قال أليس حراما أن تعاملن بلا إنسانية وكأنكن آلات لا تشعرن ولا تتألمن؟ إن كنت لا ترغبين بالمال فتصدقي به لكن لا تضحي بوظيفتك فقد قدمت الكثير من أجلها.. هذا رأيي وأنا محاسب عليه عند الله.. اسمعي يا بنتي الوظيفة حصنك بعد الله في زمن صعب كهذا، هي ضمان لك حتى لا تمدي يدك لأحد، أقدر تضحيتك من أجل أمك لكن أنت في مقتبل العمر وأمامك مشوار الحياة طويل قد تمضين شطرا كبيرا منه بدون أمك حفظها الله، كان صوته رخيما وهادئا كصوت أبي، كنت أستمع لكن دموعي كانت تنهمر كالسيل، حددت موعدا لزيارة المستشفى وأغلقت الهاتف.


/

  رد مع اقتباس