عرض مشاركة واحدة
قديم 28 / 11 / 2001, 28 : 04 AM   #2
خمائل 
وئامي فعال

 


+ رقم العضوية » 1409
+ تاريخ التسجيل » 09 / 11 / 2001

+ الجنسْ »

+ الإقآمـہ »

+ مَجموع المشَارگات » 249
+ معَدل التقييمْ » 10
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة

خمائل غير متواجد حالياً

افتراضي

الجزء الثاني :
................
تبعته إلى الخارج .. لأجده محاطاً بمودعيه.. حائماً بين أصواتهم المتعالية .. ودعواتهم وأمانيهم الصادقة .. بينما وقفت أنا بعيدة عنهم.. لأراقب هذا المشهد .. الذي امتلأ بالعبارات الجميلة .. والأحضان المتتالية المليئة بالحنان ..
يا للسخرية .. كل واحد منهم يحظى الآن بفرصة احتضانه .. ومداعبته .. وتقبيله .. إلا .. أنا .. وأنا التي تموت حباً به .. وتحترق شوقاً للاقتراب منه ..
ليتني أستطيع الاقتراب منه قليلا .. ليتني أستطيع سرقة قبلة خاطفة منه .. لكن .. للأسف .. لن أستطيع .. حتى في هذه اللحظة .. لحظة الوداع ..
ووسط ذلك الزحام .. ألقى إليّ نظرة طويلة .. كأنه ينتظر مني أن أودعه أنا أيضاً .. لكني انتظرته حتى انتهى من توديع الجميع.. لأقترب منه بثبات مصطنع .. ماذا سأقول ؟؟ ماذا سأفعل ؟؟ هل أمسك بيديه ؟؟ .. لن يشك أحد بشيء .. فأنا أودعه.. سيظنونه سلام وداع لا أكثر .. وهم لا يعلمون بأنني بهذه اللمسة .. سأحلق في سماء الجنان .. راقصة بأجنحة السعادة ..
نعم .. سأجعل الذكرى الأخيرة ... لمســــــة ..
لكن .. ماذا لو غرقت تحت أنغام هذه المصافحة في أحلام لن أستطيع نزع نفسي منها ؟؟.. ماذا لو شعر حين يلمس يدي بعروقي التي تهيج دماؤها عشقاً؟؟ .. ماذا لو سمع نبضات قلبي الثائرة بحبه ؟؟..
ووسط صيحات نفسي الحائرة .. وجدت نفسي فجأة أمامه .. ولم أكن قد وصلت بعد إلى قرار يرسم لي ما عليّ فعله .. الأمر الذي زاد من حيرتي وارتباكي .. فلم أملك إلا أن أنظر إليه بصمت .. وأن أستسلم له بنظراتي الحائرة .. أنتظر منه أن يودعني على طريقته .. التي سأكتفي بها ..
لكنه قال لي مبتسماً :
ــ " أنت؟؟ .. لا .. لن أودعك هنا .. سترافقينني إلى الخارج .. أريدك أن تكوني آخر من أودعه " ...
استرجعت أنفاسي المختنقة .. وشعرت براحة نسبية .. لم أعرف سببها .. ربما لأنه أنقذني من الحيرة التي وقعت تحت مخالبها في تلك اللحظة .. وأمهلني بالتالي بضع دقائق ــ وإن كانت قليلة ــ أحسم فيها موقفي .. وأصل إلى طريقة ملائمة لتوديعه ..
وربما كان شعوري بتلك الراحة .. لأنه طلب مني أن أكون آخر من يودعه .. أو على الأصح .. قرر ذلك .. فأحسست في تلك اللحظة بأنني مميزة بالنسبة له .. الأمر الذي جعلني أستسلم لفرحة لا توصف .. وشعرت بقدر كبير من الغرور .. ذلك الغرور الذي تتراقص به الفتاة على أنغام كل كلمة جميلة تطرق أذنها بصوت حبيبها ..
أخذت أقلب ناظري بين الجميع بتباهٍ وبفخر .. كأني أقول :
" انظروا كم أنا مميزة بالنسبة إليه " ..
لكنه ظل تباهياً محطماً مكسور الجناح .. لأنني لست سوى قريبته المميزة .. ولست حبيبته .. أو ..
لحظات معدودة .. وجدت نفسي بعدها أصحبه إلى الباب الخارجي الذي يؤدي مباشرة إلى الشارع .. وكانت أختي ترافقنا .. فقد كانت مقربة كثيراً منه .. كأخت .. لا أكثر .. وأثناء سيرنا نحن الثلاثة .. كانا يتبادلان الدعابات .. وبعض الأحاديث اللطيفة .. وكان كل منهما يهزأ بالآخر .. لكن بلطف .. وأحياناً .. أجد أحدهما يضرب الآخر تحت تأثير هذه الدعابات ضربة خفيفة مؤذية بيده .. لتليها ضحكات مرحة ..
استقبلت طرائفهم بابتسامة مفتعلة .. لأنني لم أجد ما يدعوني إلى الضحك في ذلك الوقت .. خصوصاً .. وأن روح المرح قد قتله لهيب اقتراب الوداع ..
وحين وصلنا إلى الباب الخارجي .. وقف بهدوء .. واستقبلنا بوجهه الحنون .. تاركاً الباب خلفه .. ثم نظر مبتسماً إلى شقيقتي واشتملها بعطف بالغ .. بادلته الابتسامة .. بنفس القدر من العاطفة الصادقة .. ثم مدت يدها إليه لتصافحه .. فاشتمل يدها بكلتا يديه .. أحسست بحنان لمسته دون أن تكون يدي هي التي بين يديه ..
فقال لها :
ــ " سأشتاق إليك " ..
أجابته وقد اتسعت ابتسامتها :
ــ " أنا أيضاً " ..
ثم أردفت :
ــ " انتبه لنفسك " ..
زادت نظراته نحوها عطفاً وعذوبة .. وأجاب :
ــ " إن شاء الله " ..
فقالت وهي تسحب يدها برفق من أحضان يديه :
ــ " وداعــــاً " ..
لم يجبها بل طأطأ رأسه بصمت .. وكأنه لا يريد أن ينطق بهذه الكلمة ..
كان المشهد جميلاً بينهما .. لدرجة اعتقدت فيها بأنه يحبها ... لا ..لا .. مستحيل .. فهي مرتبطة .. كما أن عاطفتهما أخوية بحتة .. أنا فقط مجنونة .. غيورة ..
لكني مع ذلك حسدتها .. فلقد استطاعت أن تحظى بلمسة عطف من يديه.. وبنظرة ملئوها الحنان الأخوي .. بالرغم من أنها لم تحبه إلا كأخ ..
إذن .. لماذا لا أفعل مثلها .. يكفيني أن يشتمل يدي كما فعل معها .. وأن يحيطني بدفء عينيه .. كما أحاطها ..
يبدو أنني قد وصلت إلى قرار .. سأفعل بالتحديد ما فعلته شقيقتي .. سأمد يدي فقط لأصافحه ..وسأحظى بالتأكيد على نفس ما حظيت به ..
شعرت بأن الإله قد أرسلها لترشدني إلى ما عليّ فعله ..
نعم .. لقد حسمت أمري .. سأفعل ما فعلته .. عليّ أن أصبح شجاعة ولو لمرة واحدة في حياتي ..
وفي حين كنت مشغولة بالتباهي بهذه الشجاعة والتي كانت وليدة اللحظة .. فإذا بأختي تهم بالانصراف .. فنظرت إليها وقد اعتلاني توتر شديد .. وفزع لم أعرف سببه .. وانهارت صروح الشجاعة في ثانية.. وفقدت كل تلك القرارات التي اتخذتها بحزم ..
فقلت له بحروف متلاحقة وبنفس سريع :
ــ" وداعا" ..
وهممت باللحاق بها بسرعة .. لكنه أمسك بيدي بصرامة .. ليستوقفني .. نظرت إليه وقد زاد فزعي .. ثم أعدت ناظري إلى أختي التي لم تنظر إلي .. بل أكملت سيرها .. فتبعتها بنظرة مستنجدة .. خائفة ..بينما ظل هو ممسكاً بيدي من الخلف .. دون أن أنظر إليه .. وأصبحت كطفل خائف من عقاب أمه التي أمسكت به للتو ..
وحين شعر بخوفي الذي لم تصعب ملاحظته .. أدارني بهدوء لأواجهه .. في حين ألقيت بنظري إلى الأرض .. فسألني بصوت دافئ :
ــ " ما بك ؟؟ لماذا تهربين ؟؟ "
التزمت الصمت للحظات قصيرة وأنا أحدق في قطعة صغيرة من الأرض .. ثم أجبته بكلمات متقطعة وبصوت متلعثم :
ــ " لا .. لا .. لسـ .. لست أهرب " ..
بعدها انتزعت عيني من الأرض .. لأدعهما تحومان بتوتر في الأجواء السفلى ..
بقي صامتاً للحظات .. شعرت وكأنه كان يتأملني بعمق .. مما زادني توتراً وخوفاً .. فسألني والعطف مازال يحوم في صوته :
ــ " هل أنتِ بخير؟؟ " ..
فأجبته ونظراتي لم تهدأ بعد :
ــ " نـ .. نعم .."
فأمسك بكلتا يدي .. واشتملهما بيديه الكبيرتين .. وبقي صامتاً .. الأمر الذي جعلني أنظر إليه رغماً عني .. وكأني أسأله :
" مابك" ؟؟ .. لكني حين نظرت إلى عينيه .. وجدتهما قد نسجتا لي عاطفة عميقة .. ليحيطاني بها بدفء .. لم ألحظ هذا النوع من العاطفة في عينيه من قبل .. لم أشعر بها إلا في هذه اللحظة .. لكني عشت تحت ظلها في نعيم ممتد الأفق .. إلا أنه نعيم .. لم يخل من شعور بالاضطراب ..
ثم قال :
ــ" ذلك الظرف " ..
بقيت صامتة .. أريده أن يكمل .. فأردف وقد انخفضت نبرته قليلاً :
ــ " إنه لكِ " ..
قطبت عن حاجبي بخفة بعد أن اعتراني الذهول .. بصورة أسأله بها عن محتوى ذك الظرف ..
استطاع قراءة السؤال الذي كتب في ملامح وجهي .. إلا أنه لم يجب .. بل اقترب مني بهدوء .. ووضع قبلةً خفيفةً على وجنتي..
أغمضت عينيّّ تحت سحابة هذه القبلة .. فانحدرت منهما دموع لم أعرف لها سبباً ..
هل هي دموع سعادة بهذه القبلة ؟؟ أم دموع مرارة لأنها جاءت متأخرة ؟؟ لتزيدني حسرة وحرقة ..
أبعد جسمه عني بخطوة إلى الخلف .. ليلحظ الدموع التي استسلمت لها بصمت .. فنظرت إليه وقد كتبت في عيني كلمات خطتها أقلام الحنين .. واحتضنتها أنفاس الرحيل ..
بدا عليه التوتر .. واعتلاه إحراج شديد .. تجلى واضحا في ملامحه .. فأخفض رأسه في إذلال .. وقال بصوت مليء بالاعتذار:
ــ " آسف .. لم أقصد أن أجرحك .."
وقبل أن أنبس بكلمة .. قبل يدي بسرعة .. وقال :
ــ " وداعــــــاً .." ..
ثم انطلق إلى الخارج .. معلناً رحيلاً أبدياً ..

وجدت نفسي أغوص في أعماق عذاب جديد .. لكنه كان هذه المرة .. عذاباً جميلاً .. بدأته قبلة ..
عذاب .. لم أستطع أن أخرج نفسي منه بسهولة .. إلا بعد أن تذكرت ذلك ... الظرف ..
إنه لي .. ترى .. على ماذا يحتوي؟؟؟
فركضت بلا تفكير إلى غرفته .. ووقفت أمام مكتبته أبحث عن ذلك الظرف .. خيل لي بأنه ليس موجوداً في بادئ الأمر .. بسبب إعصارات التوتر التي أحاطتني .. لكني وجدته في آخر المطاف ..
ففتحته بيدين مرتجفتين .. ثم اشتملت الرسالة التي كانت بداخله بنظرة خاطفة .. دون أن أقرأ ما كتب فيها .. كأني أريد أن أقيس طولها أولاً.. فوجدتها قصيرة نوعاً ما .. على الأقل .. هكذا كانت بنظري ..
فوضعت عيني على أول سطر .. وبدأت أقرأ ما كتب فيها وأنفاسي تتسابق ...

( غاليتي ... عبير ...
كما تعودت أن أناديكِ في رسائلي .. لكن اسمحي لي هذه المرة فقط .. بأن أناديكِ ...
حبيــــبتي ... عبير ..
نعم .. أنا أحبك .. ولا أستطيع إلا أن أحبك ... حاولت أن أصارحك بحبي .. لكنك لطالما وضعتي حولك جواجز تمنع المرء من التقرب منك .. ما لم تسمحي له بذلك .. ولطالما كنت ذات مزاج .. وطبع مرهق .. ولطالما كنت ... صامتة .. لذلك لم أجرؤ على مصارحتك بحبي .. الذي كنت متأكداً من أنه سيغضبك .. وسيبعدك عني .. لكني ألف مرة أحبـــك .. وسأظل أحبك أبداً.. لا تغضبي .. فالأمر ليس بيدي ..
فقبل الرحيل .. دعيني ألقي بقلبي بين يديكِ .. لتقرئي اسمك الذي نقش عليه .. ولتكتشفي مكانتك فيه .. يا حبيبتي ..
أعلم بأنك سوف تحتقرينني .. وسوف تنظرين إلي كتافه .. فأنا أعرف طباعك جيداً .. لكني لن أعيش بهناء ..حتى أعترف لك .. وإن أزعجك اعترافي ..
حبيبـــــــــــتي ...
ســـــــــــــــــــامحيني ... إن أغضبتك ...
ســـــــــــــــــــامحيني ... إن أحببتك ...
أما الآن .... وداعــــــــــــــــــــــــــــــــــــاً .. )

بقيت أحدق في الرسالة حتى بعد أن فرغت من قراءتها .. وفراغ عميق أحسست بأنه قد ملأ صدري ..
أخذت أمرر عيني مرة أخرى على بعض كلمات في الرسالة .. كأني أريد التأكد مما قرأته ..
" حبيبتي ... عبير " .. " نعم .. أنا أحبك" .. " لا أستطيع إلا أن أحبك " .. " ألف مرة أحبـــك " .. " سأظل أحبك أبداً " .. وكنت مع كل جملة أقفز درجات في أفق السعادة .. حتى شعرت بأني أكاد ألمس النجوم .. لكني سرعان ما سقطت في الهاوية .. عند كلمة " وداعـــــاً" .. أيقظتني من أحلامي التي باتت تدعو إلى الشفقة ..
ما الداعي من الفرحة .. فقد رحل ..
لطالما شعرت بأن عذابي كان الأشد ألماً .. لأنه عذاب رسمته صرخات حب من طرف واحد .. لكني الآن .. أشعر بأني قد هويت في أعماق العذاب .. أعماق .. لم أكتشفها إلا تلك اللحظة ..
ظننت بأن حبه سيوقظ في داخلي روحاً جديدة .. روحاً لا تعرف .. إلا السعادة ..
وها أنا الآن قد علمت بحبه .. لكن هذا الحب لم يزدني إلا مرارة .. وحسرة .. لأنه جاء متأخراً .. جاء .. في رسالة وداع ..
فنظرت إلى الرسالة متخيلة بأني أنظر إليه .. وأخذت أصرخ بصوت عالٍ .. غير آبهة بأن يسمعني أحد .. والدموع تنهمر من عيني :
ــ " لماذا ؟؟ .. لماذا الآن تخبرني ؟؟ .. أتخبرني بحبك بعد أن رحلت ؟؟ .. أتعترف بأشواقك بعد أن انقطع أمل لقاءنا؟؟ .. لماذا تفعل بي هذا ؟؟ .. بالله عليك ماذا فعلت لك .. لتضعني في هذا العذاب .. ؟؟ أحبك أيها الأحمق ... أحبك .. أحبك .. أحبك ."
لا داعي للصراخ .. فلن يسمعني ..
لقد رحل .. وما من أمل لعودته ..
رحل .. وما من رسول يخبره بحبي ..
فاستسلمت لدموع .. لن تمسحها الأيام ..
وخضعت لجروح .. لن تداويها السنين ..
وأخذت أردد في نفسي ...
فقدتك يا حبيبي إلى الأبد .. لأنني وبدون أن أشعر .. لم أسمح لك بأن تحبني ..
فقدتك .. يا حبيبي .. لأنني لم أكن جديرة بحبك ...
فقدتك .. يا حبيبي ..لأنني ... أحببتــــــــك بصمــــــت ..


[c] [/c]

 

  رد مع اقتباس