سلسلة لحوم العلماء مسمومة ( 5 ) ..
بسم الله الرحمن الرحيم لحوم العلماء مَسمُومَة د. ناصر بن سليمان العُمــر وفي الختام هناك أمور لابد من بيانها : أولاً - أننا لا ندعو إلى تقديس الأشخاص ، أو التغاضي عن الأخطاء ، أو السكوت عن الحق. بل ندعو إلى المنهج الصحيح في بيان الحق، بدون انتهاك لأعراض العلماء. فلا إفراط ولا تفريط ،ولا غلو ولا جفاء. ثانياً -انطلقت في الأيام الماضية دعوى الإجماع ، ولقد وردتني أسئلة كثيرة تقول : فلان يخالف إجماع العلماء، فلان يخالف ما أجمع عليه العلماء ، يُريد أن يحدث فتنة. وأقول لهؤلاء : إن الإجماع ليس بالأمر اليسير ، هناك فرق كبير جداً بين الإجماع والاجتماع . ا لإجماع - كما بينه العلماء- : هو أن يُجمع علماء الأمة المعتدُّ بهم في عصر من العصور على مسألة من المسائل . ولو خالف واحد منهم ؛ لم ينعقد الإجماع. ا ليس لإجماع إجماع علماء بلد فقط ، بل هو إجماع علماء الأمة المعتد بهم في مشارق الأرض أو مغاربها . إذن ، فالإجماع له ضوابط و شروط، وليس أمراً هيناً . ولذلك قال بعض العلماء : أن الإجماع لم ينعقد بعد الصحابة . فليتريث الذين يدعون الإجماع ، وليعلموا أن العبرة ليست بكثرة القائلين بقول ما وإنما العبرة بصحة القول المقرون بالدليل . ثالثاً - قد يفتي بعض العلماء بفتوى لها أسبابُها، فيخالفهم فيها آخرون من العلماء أو طلبة العلم، فيُطْعن ُفي المخالف ، ويُتّهم بإثارة الفتنة ، وحب الظهور ، وسرقة الأضواء ، وقلة العلم ....إلخ . وهذا تصرف غير سليم ، فعلينا أن ننتبه ، في هذا الأمر ، لما يأتي : ( أ ) أن كلا ًّيؤخذ من قوله ويُرد ، إلا الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به. (ب) أن المخالفيِن علماءُ، كما أن المخالَفين علماءُ، فيجب تقدير المخالفين، وحفظ أعراضهم، وعدم أكل لحومهم . ( ج ) أن نعلم أن الرجال يعرفون بالحق ، وليس الحق يعرفُ بالرجال. ( د ) أن نتثبت من صحة الفتوى واكتمال شروطها عند كل فريق من الفريقين ، فالمهم هو صحة الفتوى، واكتمال شروطها ، بغض النظر عن الفريق الذي صدرت منه من الفريقين . ( هـ ) أن مسائل الاجتهاد يسوغ فيها الخلاف،ولقد وقع الخلاف بين الصحابة في فهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قُريضة )) . رواه البخاري . ووقع الخلاف بينهم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، لكن ذلك لم يؤد بهم إلى الفتنة وطعن في الأعراض . فيجب إذن ، ألا نضيق على أنفسنا ، وأن تتسع صدورنا للخلاف في المسائل الاجتهادية . ( و ) أن المخالفة ليس خطأ ، ولا عبرة هنا بصغر سنّ المخالف أو كبره ، بل العبرة بتوافر شروط الفتوى ، ولم يزل العلماء قديماً وحديثاً يُخالف صغيرهم كبيرهم، وقد يكون الحق مع الصغير . ومن أمثلة ذلك أن ابن تيمية- رحمه الله - خالف علماء بلده ممن هو أكبر منه سناً، وثبت أن الحق معه . · ومن الأمثلة كذلك أن سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله - خالف سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله في حياته في فتوى أفتى بها ، ولم يقل الشيخ محمد : من أنت حتى تخالفني ، وهذا دليل على رسوخ علم الشيخ محمد رحمه الله وما قال الناس ذلك . وكان الراجح هو قول الشيخ عبد العزيز . رابعاً - لماذا تبرز أخطاء العلماء أكثر من غيرهم ؟ السبب في ذلك هو أن العلماء هم صفوة الأمة ، وخيارها وقدوتها ، وأحمدُها سيرةً ، فإذا وقع منهم خطأ كان واضحاً جلياً ؛ لأنه بمثابة النقطة السوداء في صفحتهم الناصعة البيضاء . ولذلك قيل : زلّةُ العالم مضرب بها الطبل . وما مثلُ العالم إلا كمثل الثوب الأبيض، إذا أصابته نقطة - مهما كان صغرها- برزت فيه وظهرت. ومن هنا وجب على العلماء أن ينتبهوا لذلك الأمر؛ بأن يتفقدوا أنفسهم ، ويتفطنوا لأعمالهم وتصرفاتهم وأقوالهم . كما وجب - كذلك - على الناس ألا يضخموا هفوات علمائهم ولا ينفخوا فيها . خامساً - احذر من الذم الذي يشبه المدح . بعض الناس يُسهب في الثناء على شيخ من المشايخ ، ويخلع عليه من نعوت الفضل وألقاب التوقير شيئاً كثيراً ، ثم يقول – مثلا ً- : ( لكن الشيخ حبيب ) أو طيب القلب ، وهو يقصد أنه قد يُستغفل ، أو غير ذلك من الأساليب المغلفة بغلاف المدح ، وهي للتَّنقُّص . وإن على هؤلاء الذين يستخدمون هذه الأساليب، أن يخافوا الله ويتقوه ، وأن يدركوا خطورة ما يقولون ، وأن يتوبوا إلى الله، ويستغفروه ، وإن يعتذروا ممن انتقصوه . سادساً : أن من أساء الأدب مع العلماء فسيلقى جزاءه عاجلاً أو آجلاً . قال الإمام الذهبي في ترجمة ابن حزم : ( وصنف كتباً كثيرة ، وناظر عليه ، وبسط لسانه وقلمه، ولم يتأدب مع الأئمة في الخطاب . بل فجج العبارة، وسب وجدع فكان جزاءه من جنس فعله، بحيث إنه أعرض عن تصانيفه جماعة من الأئمة، وهجروها ، ونفروا منها ، أحرقت في وقته ) . والواقع يشهد أن الذي يسب العلماء، ويتجرأ عليهم ، يسقط من أعين العامة والخاصة . ويقول الحافظ ابن رجب ( والواقع يشهد بذلك، فإن من سبر أخبار الناس ، وتواريخ العالم ؛ وقف على أخبار من مكر بأخيه ، فعاد مكره عليه، وكان ذلك سببا لنجاته وسلامته ) أي : سبباً لنجاة الممكور به وسلامته . سابعاً : على العلماء وطلاب العلم الذين يبتلون بالتعريض للطعن ، وكلام الناس فيهم ؛ عليهم أن يصبروا ويتقوا الله ، وأن ليعلموا أنهم ليسوا أفضل من الأنبياء والمرسلين . فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يسلم من الكلام فيه ، وطعن حتى في أهله ؛ في حادثة الإفك . فللعلماء أسوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم فليقتدوا به ، وليعلموا أن العاقبة للمتقين ، ثامناً - احذر من التعميم . إن قضية التعميم في الأحكام قضية خطيرة جداً ، وقد وقع كثير من الناس في هذه الظاهرة التي تدل على قلة الوعي وعدم الإنصاف ، ترى أحدهم يقول : العلماء فعلوا ، والعلماء قالوا ، والعلماء قصروا ، والعلماء غلطوا – بهذا التعميم - . والتصرف السليم أن يُعمَّم في الخير ، ولا يُعمَّم في الشر ، ومن فضل الله تعالى أن الرحمة تعم كالمطر ، والعقاب يخص { وكلا أخذنا بذنبه } . تاسعاً - أخيراً أقول للمتحدثين في العلماء . اتقوا الله، توبوا إلى الله، أنيبوا إلى الله ، واثنوا على العلماء بمقدار غيبتكم لهم، و إلا فأنتم الخاسرون ، العاقبة للمتقين . وما مثلكم إلا كما قال الأول : كناطح صخرة يوما ليوهنها ****** فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل. هذا ، أسال الله أن ينفعنا بما علمنا، وأن يعيذنا من فتنة القول والعمل . والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . ***************** هذا الكتاب * إلى كل من ابتلي بالوقوع في العلماء فخط قلمه ُ ونطق لسانه . * إلى الذين جعلوا الطعن في العلماء العاملين سبيلهم فاتهموهم في مقاصدهم وحملوا ألفاظهم مالا تحتمل واجلبوا عليهم بالخيل والرجْل ِ . * إلى الذين صرفوا همتهم وأنفقوا طاقتهم في مواجهة أهل العلم والشغب عليم . * إلى كل هؤلاء نقول : أولا: اعلموا هداكم الله – أن لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقصهم معلومة . ونقول ثانياً : يا نطح الجبل العالي ليثلمه ******** أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل ونقول ثالثاً وأخيراً : إن الأمة تثق بعلمائها ولن تقبل الطعن فيهم من كل حاقد متربص . اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين . آمين *************************** وبهذا نصل إلى نهاية هذه السلسلة المباركة أسأل الله تعالى أن يجزل المثوبة للشيخ الدكتور / ناصر العمر ،، حفظه الله . كما أسأله أن يجزي خير الجزاء من كان سبباً في ورود هذه الفكرة على خاطري . وأن يغفر لنا ، ولجميع المسلمين ، الأحياء منهم والميتين ،، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. |
رد: سلسلة لحوم العلماء مسمومة ( 5 ) ..
جـــــــــــــــــــــــــــزاك الله اخوي خير الجزاء
وجعله الله فيموازين حسناتك |
رد: سلسلة لحوم العلماء مسمومة ( 5 ) ..
بارك الله فيك
وربي يجعله في موازين حسناتك |
رد: سلسلة لحوم العلماء مسمومة ( 5 ) ..
اقتباس:
الذي سعدت به كثيراً جداً . |
رد: سلسلة لحوم العلماء مسمومة ( 5 ) ..
اقتباس:
الذي سعدت به كثيراً جداً . |
الساعة الآن 03 : 10 AM بتوقيت السعودية |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
new notificatio by 9adq_ala7sas