منتديات الوئام - ( 3 ) السجدات : سجدة الشكر

( 3 ) السجدات : سجدة الشكر

د. عارف الشيخ
تحدثنا في مقالات سابقة عن سجدة الصلاة، وسجدة السهو، وسجدة التلاوة، واليوم نتحدث عن سجدة الشكر، وهي أيضاً تكون لله وحده، لأن شكر الله يكون بصرف العبد النعم التي أنعم الله بها عليه في طاعته، فالعبد مهما تحصل له من أفراح أو دفع عنه من أتراح، فما ينبغي له أن يتوجه بالشكر الى غير الله لأنه وحده واهب النعم، ودافع النقم.
من أجل ذلك فإن الشافعية والحنابلة ذهبوا الى مشروعية سجدة الشكر، واستدلوا بمثل حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر سرور أو بشر به خرّ ساجداً شاكراً لله (رواه أبوداود والترمذي).
كما استدلوا بحديث ابن عباس الذي يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في سجدة “ص” : { سجدها داود توبة، وأسجدها شكراً } (رواه النسائي).
وقد ورد عن الصحابة بأنهم كانوا يسجدون لله شكراً عند حدوث نعمة أو زوال غمة، كما فعل كعب بن مالك لما بشر بتوبة الله عليه، وكما فعل أبوبكر أيضاً حين وصله خبر قتل مسيلمة الكذاب.
والحنفية لا يرون مشروعية سجدة الشكر، بل مكروهة عندهم كراهة تنزيه، وكذلك المالكية، حيث إن الإمام مالك لما قيل له إن أبا بكر سجد لخبر هلاك مسيلمة، قال: لم أسمع بمثل هذا، ولعلهم كذبوا على الصديق، ولو كان سجود الشكر مشروعاً لسجد الرسول وأصحابه كلما فتح الله عليهم فتحاً مبيناً، لكن لم يحدث شيء من ذلك، هكذا يورد البناني في حاشيته على شرح الزرقاني على الموطأ.
وبناء على هذا فإن المالكية قالوا بكراهتها كراهة تحريم تبعاً لرأي الإمام.
والذي قال بمشروعيتها قال إن وقتها عند حدوث النعمة أو زوال الغمة، وإن طال الفصل فات وقتها، ويشترطون لها ما يشترطون للصلاة، فهي لا بد لها من طهارة واستقبال قبلة وستر عورة، إلا أن ابن تيمية قال إن الطهارة ليست شرطاً في سجدة الشكر، ويقول الإمام الشوكاني ليس في أحاديث الباب ما يدل على اشتراط الوضوء وطهارة الثياب والمكان لسجود الشكر.
على أي حال فسجود الشكر سجدة واحدة تبتدئ بالتكبير، ثم السجود الذي يحمد الله فيه ويسبحه تسبيحه لسجود الصلاة، ثم يكبر تكبيرة أخرى عندما يرفع رأسه من السجود، وبعد ذلك لا تشهد ولا سلام في قول، وبعضهم قال إنه يسلّم فقط تسليمة واحدة كما ورد في كتاب “المجموع” من كتب الشافعية، وكتاب “مطالب أولي النهى” من كتب الحنابلة.
وإذا قلنا بمشروعية سجود التلاوة في الصلاة وفي غير الصلاة، فإن سجود الشكر لا يصح أبداً في الصلاة، لأن سببه لا علاقة له بالصلاة.
وبالمناسبة فإن الشافعية والحنابلة يرون أن سجدة “ص” ليست من عزائم السجود، أي ليست سجدة تلاوة، بل سجدة شكر.
فلو قرأ أحد المصلين سورة “ص” لم يصح له أن يسجد عند آية السجدة سجود شكر على رأي الشافعية والحنابلة، لأنهم لا يجيزون سجدة الشكر في الصلاة، ولو سجد شكراً عمداً بطلت صلاته.
أقول: وتحضرني رواية لطيفة عن إبراهيم النخعي رحمه الله الذي قال: كان السلف يكرهون أن يسألوا الله العافية بحضرة المبتلى، بمعنى أن الإنسان إذا أراد أن يشكر الله على نعمة رزقه الله إياها وحرم غيره منها، فعليه أن يتخير الوقت المناسب والمكان المناسب، فعلى سبيل المثال لو رأى معاقاً فلا يصح أن يسجد لله شكراً أمامه، ويقول الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، لأن في ذلك كسراً لقلبه وإيذاءً لنفسه، ولا يجوز إيذاء المسلم طبعاً.
ولكن يجوز أن يسجد لله شكراً إذا رأى مبتلى مثلاً ويقول في نفسه هذا الدعاء، كما يجوز له أن يظهر سجوده لله شكراً، كما لا يعد من قبيل إيذاء المسلم للمسلم إذا كان ابتلاء صاحبه في دينه، فالفاسق جاز لك أن تقول أمامه: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وتقصد ابتلاءه في دينه.
إذن خلاصة القول في سجود الشكر إنه مشروع وتكاد أن تكون مشروعيته على رأي الجمهور، لأنه اعتراف بجميل صنع الله وعظم نعمته.
@@@@@
elgrwany